fbpx
مونتيسوري مصر- تقدمها مروة رخا

من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: أبي

أنا وآدم والمونتيسوري - أبي. دعمني وسندني ولملم الشظايا كلما كسرت قاعدة من القواعد الاجتماعية! في صمت وبكل حب كان يلملم الشظايا ويدعمني! مهما كان العرض الذي أقدمه كان دائماً في أول صف وأكبر المشجعين
من كتابي "أنا وآدم والمونتيسوري"
*أبي*

هذا الفصل لم يكن جزءاً من المسودة الأصلية التي أرسلتها إلى دار النشر. أبويا مات! هكذا ... فجأة ... بكل بساطة ... أصبحت يتيمة. التهم الموت أبي وفارقته الحياة في الصباح التالي ليوم عيد ميلاد آدم. اعتدت أن احتفل بعيد ميلاد آدم في أول سبت بعد عيد ميلاده الأصلي ليتمكن أكبر عدد من أفراد العائلة والمقربين من الحضور.

السبت 20 أبريل 2019 الساعة 10:30 صباحاً في فجنون.

هكذا كانت الدعوة المرسلة للجميع، وكان أبي، كعادته، أول المجيبين والمهنئين. كان الجو جميلاً وكان آدم سعيداً. أما أنا، فأتردد في أمر السعادة دائماً. كمصرية أصيلة، أخاف أن أفرح ودائماً أقول "خير اللهم اجعله خير" إذا غلبني الفرح. بدأت اليوم وبيني وبين الفرحة حاجزاً رقيقاً يسمح لأشعتها بالمرور حتى أراها ولكن لا يسمح لها بدخول قلبي حتى لا أشعر بها. بدأ الأحباب في الوصول وبدأت أفرح.

فرحت بوصول أصدقاء آدم من الأطفال والكبار الذين دعاهم، وفرحت بوصول أبي وزوجته وأبناء أخيها. فرحت بوصول عمتي وبنات خالتي ومن استطاع الحضور من الأبناء. فرحت بالأمهات اللواتي لبين دعوة آدم وحضرن بأطفالهن للاحتفال معنا بعيد ميلاده. فرحت بأميرة صديقتي وأختي وزوجها وابنتها. فرحت بخالد الذي أتي من دهشور وإيناس التي جاءت من الإسكندرية وحنان التي كانت على سفر وجاءت في الرابعة مساءً فقط لتفي بوعدها لآدم بالحضور.

جريت على أبي وأخذت صورة جميلة في حضنه. صورته وهو يقطف التوت. ناكفته وشاكسته على الطعام كعادتي. سرت معه إلى سيارته في نهاية اليوم وحضنته. هاتفته كعادتي في المساء بعد أن عدت إلى بيتي ليطمئن عليّ. شكرني على اليوم الجميل وعلى لم الشمل وجمع العائلة. شكرته على حضوره ونوره ودعوت له بطول العمر ووافر الصحة مثلما أدعو له دائماً. نمت سعيدة.

استيقظت كعادتي في الصباح الباكر وأرسلت رسائل الشكر لمن احتفلوا معنا بالأمس. بدأت أرفع صور عيد الميلاد وأضحك وأنا أستعيد اللحظات السعيدة والمشاعر الدافئة. رن هاتفي ورأيت اسم أخي. أجبته بكل حماسة كعادتي فجاء صوته صارخاً: "بطلي الصور الزفت اللي بترفعيها دي! بابا تعيشي أنتِ." من بعد هذه اللحظة تغير كل شيء! دارت بي الأرض ولم تستقر حتى لحظة كتابة هذه السطور!

رأيته حبيبي مغمض العينين ممدد على الأرض حيث نقلوه مؤقتاً حتى يأتي المزيد من الرجال ليدخلوه الغرفة. جلست على الأرض بجانبه وأمسكت بيده الجميلة القوبة الكبيرة وبكيت. قبلت رأسه وخده ويده وحضنته. حضنته كثيراً هذا اليوم! حضنته على الأرض وعلى السرير وفي الكفن. ركبت معه سيارة دفن الموتى إلى المسجد وكررت على مسامعه كلمات الحب والقرب.

ركبت معه من المسجد إلى المدفن ووقفت على قبره. لمست الكفن للمرة الأخيرة وودعته. كان أبي يقول أنني بمائة رجل وفي هذا اليوم وقفت معه تماماً كما يقف الرجال. بكيت ... بكيت كثيراً ... مازلت أبكي. عقلي يرفض أن يصدق أن الحياة فارقته! نعم! هو لم يفارق الحياة! الحياة هي التي فارقته! مات أبي بعد أن رآنا جميعاً وحضننا جميعاً وودعنا جميعاً!

مات بدون ألم أو مرض! مات في هدوء ... فجأة! كان يحب المفاجآت ... الله يرحمه!

"الله يرحمه" ... كنت دائماً ألحق بذكر اسمه "ربنا يخليه" أو "ربنا يطول في عمره" أو "حسه في الدنيا". "الله يرحمه" ثقيلة على قلبي ولساني! "كان" ... من الآن ستسبق "كان" اسمه ... من الآن سيصبح في الماضي!

أحبني أبي حباً غير مشروطاً! دعمني وسندني ولملم الشظايا كلما كسرت قاعدة من القواعد الاجتماعية! في صمت وبكل حب كان يلملم الشظايا ويدعمني! مهما كان العرض الذي أقدمه كان دائماً في أول صف وأكبر المشجعين ... هو وعمتي وأمي! بوفاة أبي، تضخم وحش الخوف من الفقد القابع في أعماق المحيط! أسمعه الآن يزأر ويزلزل أماني وهدوئي ... ترى الدور على من؟ يزأر الوحش فأرتجف خوفاً! لا أريد أن أفقد أحداً ... الفقد مؤلم فوق احتمالي. قلبي يعتصره الألم. لقد انحنى ظهري.

ها هي تيمة الفرحة الناقصة تعود لتلاحقني! لقد وأد الموت فرحتي وقضم قطعة من قلبي! أما آدم، فهو أفضل حالاً مني! أفضل بكثير! لقد بكى كثيراً في أول يوم ثم بدأ ينعي جده ويجتر ذكرياته السعيدة الكثيرة معه. لقد ترك له أبي ثروة من الذكريات والمواقف واللحظات الخاصة بهما. لقد أحبه قبل أن يراه وعبر له عن هذا الحب قولاً وفعلاً خلال السنوات الثمانية الماضية.

سألني آدم عن التفاصيل؛ شكل جده وهو ميت، شكل سيارة الدفن وما بها، ملابس الدفن، المقابر، وحتى عن مفتاح المدفن. استوعب آدم الموت وتعايش مع الفراق بصورة أفضل مني. الحمد لله ... لقد عاش أبي آخر سنواته سعيداً مغموراً بالحب والدفء. مات أبي وهو يعلم أنني سأفتقده كثيراً ولكنه راض عني.
من هي مروة رخا؟
مروة رخا: موجهة مونتيسوري معتمدة دولياً من الميلاد حتى 12 عام. Marwa Rakha: Internationally certified Montessori educator from birth to 12 years.

بدأت “مروة رخا” رحلتها مع “نهج وفلسفة المونتيسوري” في نهاية عام 2011 بقراءة كتب “د. ماريا مونتيسوري” عن الطفل والبيئة الغنية التي يحتاجها لينمو ويزدهر. تلت القراءة الحرة دراسة متعمقة للفلسفة والمنهج مع مركز أمريكا الشمالية للمونتيسوري

“North American Montessori Center”