fbpx
مونتيسوري مصر- تقدمها مروة رخا

من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: فصل: أول حزن

أنا وآدم والمونتيسوري - فصل: أول حزن. كنت أستيقظ في الصباح، وقد ذهب إلى عمله، على رائحة الياسمين. رائحة الياسمين أصبحت لغتنا المشفرة، يخبرني من خلالها أنه يحبني ويفكر بي ويتذكرني، حتى لو لم يكن موجوداً ... حتى لو لم أكن أراه ... حتى لو مات.
من كتابي "أنا وآدم والمونتيسوري"

*أول حزن*

أتذكر أول حزن في حياتي كطفلة عندما توفي جدي والد أبي. كنت في الرابعة وكنت أحبه وأحب حضنه جداً. كان طيباً بشوشاً في وجهي. كنت أحياناً أبات عنده، في سريره وسرير جدتي، وكان يستيقظ مبكراً جداً ويخرج ليقطف زهور الياسمين، ثم يعود مسرعاً ويخيطها عقداً لي. كنت أستيقظ في الصباح، وقد ذهب إلى عمله، على رائحة الياسمين. رائحة الياسمين أصبحت لغتنا المشفرة، يخبرني من خلالها أنه يحبني ويفكر بي ويتذكرني، حتى لو لم يكن موجوداً ... حتى لو لم أكن أراه ... حتى لو مات.

رأيت أبي يقاوم دموعه، رأيت أمي حزينة صامتة. رأيت باب دولاب الطرقة يفتح ورأيت البدلة السوداء تخرج. شعرت أن هناك شيء ما ... شعرت أن هناك ألم ما ... شعرت بالحزن ... سألت أمي عما يحدث ... فقالت لي: "جدو راح عند ربنا". لم أفهم معنى الجملة. لم يشجعني أحد على طرح الأسئلة. لم أتحدث عن مشاعري. فهمت على مر السنوات معنى رد أمي، ولكنني فهمت قبل مرور السنوات معنى الفقد والحزن والألم.

أما آدم، فأول حزن كان عندما طار "تيتو". كان "تيتو" ببغاءً أليفاً وكان يحبنا ويعيش وسطنا خارج القفص. كان يأكل معنا ويغرد عند استيقاظنا ويحط على أكتافنا. كان "تيتو" مصدراً للبهجة والدفء وكان أول طائر في قائمة حيواناتنا الأليفة. بدون الدخول في تفاصيل ... طار "تيتو" ولم نتمكن من استعادته! حزنت وحزن آدم، ومن خلال حزن آدم، تواصلت مع حزني القديم عندما مات جدي.

أدركت الأخطاء العديدة التي يرتكبها الأهل في التعامل مع المواقف الأولى للحزن والفقد في حياة الطفل!

أولاً الكذب: نصحني المقربون بأن أقول لآدم أن "تيتو" وجد ببغاء مثله، وأنه الآن يعيش في عشة جميلة وسوف يكون أسرة!

ثانياً الكبت: النصيحة الثانية كانت تشتيت انتباه آدم كلما سأل عن "تيتو" بلعبة أو نشاط أو نهره عندما يبكي متأثراً بحزنه!

ثالثاً الإبدال والإحلال: النصيحة الثالثة كانت أن أشتري ببغاءً آخر مماثل لـ "تيتو" ونطلق عليه اسم "تيتو" وكأنه هو "تيتو" ليحل محل "تيتو"!

عندما نظرت إلى النصائح الثلاث أدركت أسباب أخطائي، وأخطاء البالغين مثلي، في حالات الانفصال أو الطلاق، أو الفقد بصفة عامة! لقد تمت برمجتنا منذ الصغر على إنكار الحزن وكبته ومحاولة ملئ الفراغ بأي شيء أو أي شخص! لقد أدمنا جميعاً المسكنات! لم نتعلم كيف نتعامل مع هذا النوع من المشاعر، مثلما يعاني الكثير منا في التعامل مع المديح أو الحب أو المجاملة!

أدركت أنني يجب أن أكسر هذا النمط وألا أكرر هذه الأخطاء مع آدم!

في البداية، بحثت أنا وآدم عن "تيتو" في كل مكان، وأبلغنا الجيران والعمارات المجاورة، وعندما باءت محاولاتنا بالفشل، حان وقت تقبل الواقع! "تيتو" ضاع!

نظر آدم لي منتظراً إجابة حاسمة عن مصير "تيتو"، فقلت له الحقيقة ... قلت له أنني لا أعرف! قد يكون حراً بين الأشجار، وقد يكون في منزل أحد الجيران، وقد يكون مريضاً، وقد يكون مات ... لا أعلم ماذا حدث له ولكني أتمنى أن يكون سعيداً وآمناً! سوف نضع الماء والطعام خارج شرفتنا عله يأتي!

شعر آدم برغبة في البكاء .... تركته يبكي ولكني لم أستطع البكاء ... أردت أن أبكي ولكني مبرمجة على مقاومة الحزن والنفور منه!

سأل آدم عن قفصه وعن مرآته وعن ألعابه وملحقاته، فقلت له أننا سنتركها في الخارج عله يعود، وإذا لم يعد سوف نفكر سوياً فيما نفعل بها!

من وقت لآخر يقول آدم أنه يفتقد "تيتو" وأنه يريد أن يبحث عنه! أحتضنه وأقول له أنني أفتقده أيضاً!

طلب مني آدم ببغاءً آخر، فقلت له أن هذا ممكن ولكنه لن يكون "تيتو" ... سوف يكون ببغاء آخر!

أما أنا فبذلت مجهوداً كبيراً لأقاوم رغبتي العاجلة الملحة في شراء ببغاءً آخر لأسكن به ألم افتقاد تيتو، ووجدتني أتخبط كثيراً! أقرر شراء ببغاء واحد، ثم أقرر شراء ببغاوين، ثم أقرر شراء طيور زينة خضراء، ثم أقرر الذهاب إلى سوق الجمعة لأختار!

اليوم آدم أكثر استقراراً مني وأكثر تقبلاً لفقد "تيتو" مني! اشتريت "بيسو"، وظللت أقارن بينه وبين "تيتو" لفترة طويلة. لم أحب "بيسو" إلا عندما سمعت تغريده وشاهدت قصة حبه وزواجه من "خوخة". لم أحب "بيسو" إلى بعد أن باضت "خوخة" وشاهدته يحضن البيض بالتناوب معها، ثم شاهدته يطعم صغاره ويحنو عليهم. عندها أدركت أن "بيسو" ليس "تيتو" وأنني يمكنني أن أحبه بدون أن أشعر بالخيانة لذكرى "تيتو".

الحزن والفقد مشاعر معقدة جداً ونتعامل معها، كل منا، بطريقتنا الخاصة. أسوأ تعامل مع الحزن هو رفضه - في حالات الحزن والفقد، لا تقعوا في الأخطاء السابقة! لا تبرمجوا أطفالكم على تضليل أنفسهم وكبت مشاعرهم وإدمان مسكنات الألم المختلفة!

كنت أتمنى، بدلاً من أن أقضي طفولتي ومراهقتي كزهرة عباد الشمس، مائلة نحو قضبان شباك الفصل، باحثة عن الشمس وأشعتها، كنت أتمنى أن أقضي المزيد من الوقت مع جدودي. كنت أتمنى أن أعرفهم أكثر وأسمع قصصهم وخبراتهم وحكايات زمنهم. كنت أتمنى أن أستمتع أكثر برائحة الياسمين والحب غير المشروط. لي إخفاقات وعثرات عديدة مع آدم، لكني كنت حريصة على فرص الذكريات السعيدة. أتمنى أن تصبح واحدة من ذكرياته تلك في قوة و"غلاوة" رائحة الياسمين لدي. ما أروع الشعور بالحب والدفء والطمأنينة كلما جاء الربيع وأزهرت أشجار الياسمين. ما أروع الشعور بالراحة النفسية والسعادة كلما تفتحت في الروح براعم زهور البرتقال والليمون. أغمض عيني ... أستنشق بعمق ... ثم أراقب الفقاقيع البرتقالية تأخذ كل حزن وتطير.

من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: فصل: أول حزن
من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: أبي
محتويات كتاب أنا وآدم والمونتيسوري
من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: هل؟
تمهيد كتاب مروة رخا: أنا وآدم والمونتيسوري
فصل مجاني عن الطفل والتركيز من كتاب مروة رخا: أنا وآدم والمونتيسوري
صور حفل توقيع كتاب أنا وآدم والمونتيسوري في دار العين
فيديو: حفل إطلاق كتابي: أنا وآدم والمونتيسوري
من هي مروة رخا؟
مروة رخا: موجهة مونتيسوري معتمدة دولياً من الميلاد حتى 12 عام. Marwa Rakha: Internationally certified Montessori educator from birth to 12 years.

بدأت “مروة رخا” رحلتها مع “نهج وفلسفة المونتيسوري” في نهاية عام 2011 بقراءة كتب “د. ماريا مونتيسوري” عن الطفل والبيئة الغنية التي يحتاجها لينمو ويزدهر. تلت القراءة الحرة دراسة متعمقة للفلسفة والمنهج مع مركز أمريكا الشمالية للمونتيسوري

“North American Montessori Center”