أتتني في منامي باكية منتحبة تمسح دمعة و تترك أخرى لتسقط على صفحة من ألبوم صور زفافها. سقطت دمعة على ساعته الذهبية الملتصقة برسغه – كم كرهَت تلك الساعة الرخيصة المقززة ببريقها المصطنع و لونها الفاقع. لا تليق به! لماذا لا يرى أنها لا تليق به؟ تذكَرت كيف أخذَتها منه مرارا و كيف عاود ارتدائها تكرارا!
قلَبت الصفحة و انتقلَت إلى صورة من صور شهر العسل. تذكرت يوم غرقا فى نهر الحليب و العسل. تذكرت ضحكاتهما مع كل فجر. تذكرت حضن الغروب و قبلة الشروق. تذكرت تشابك أصابعهم … و مفترق الطريق. سقطت دمعة أخرى على نظارته الشمسية المقلدة – كم كرهَت تلك النظارة السوداء ذات الأذرع الجلدية و البرواز الفضى الصدئ. لا تليق به! لماذا لا يرى أنها لا تليق به؟ تذكَرت كيف أخذَتها منه و كيف لم يفهم سبب كراهيتها لها.
سقطت دمعة أخرى على دبلته الفضية و تسائلت عن سبب تعلقه الشديد بتلك الدبلة اللعينة. كلما رأته أخذَت منه دبلة فضية لا اسم لها و لا هوية، و كلما رأته وجدَته و قد اشترى لنفسه دبلة فضية جديدة. لم تفهم يوما احتياجه الدائم لأنثى في حياته – أى أنثى. لم تفهم يوما اعتماده النفسي على تلك الدبلة الصفيح التي لا ترمز لحب حالي أو ماضي و لا تعبر عن شئ سوى حالة حب من أجل الحب و حنين أنثوى للارتباط – الارتباط بأى شئ. لا تليق به! لماذا لا يرى أنها لا تليق به؟ أخذَت منه ثلاثة دبل فضية و لم يفهم يوما سبب رفضها لهم.
صورة الفرح التقليدية! العريس بجانب العروس و سط الأهل و الأقارب و ابتسامات بلهاء تعلو كل الوجوه! الألبوم اللعين بدأ يعزف مقطوعة الأفراح المسجلة بين صفحاته. سقطت دمعة أخرى على وجهها المبتسم بجانبه في الصورة و أدركت أنها لا تنتمي بجوار هذا الرجل و لا وسط هؤلاء الناس و لا في هذا الألبوم. أدركت أنها لا تشبهه – أو تشبههم – في أى شئ. كلهم يرتدون ساعات قميئة مثل ساعته و نظارات رخيصة مثل نظارته و ملابس مطرزة و مزركشة مثل ملابسه. لا! ليست أفضل منه و لا هو أفضل منها! لا يليق بها! لا تليق به! لماذا لم تدرك من قبل أنه لا يليق بها؟
"شكلهم مش لايق على بعض! شكلهم فيه حاجة غلط"
قفزت من ألبوم الصور و تركت مكانها فجوة بيضاء. هربت من سجنها الورقى بفستان زفافها الخيالي و زارتني في منامي. فتحت ألبوم الصور أمامي و بكت. ها هو بنفس ابتسامته الخافتة يردد نفس أغانيه الباهتة على مسامع عروس جديدة تشبهه. ها هو يرتدى ساعته الذهبية و دبلته الفضية و نظارته الشمسية في سعادة بالغة. ها هو يتأبط ذراع عروس جلست مكاني في ألبوم الصور … ها هو ينظر لها كما كان ينظر لي … ها هو يحرك شفتيه كما كان يحركهما أمامي … ها هو يردد على مسامعها نفس كلمات الحب … نفس نبرة الصوت … نفس كسرة العين … نفس الساعة المطلية … نفس الدقات الخاوية … نفس الزيف … نفس الدبلة الفضية!
"أنا انتمائي ليكي! أنا بحبك! أوعي تسيبيني!"
طار الألبوم من يدي بفعل الجاذبية السماوية و انتقل من كابوسي إلى حلم فتاة أخرى … ها هى تتصفحه و تجفف بقايا دموعي.
One Response