كيف نحمي أبنائنا من الافتراس الجنسي؟ بقلم: مروة رخا هذا المقال أكتبه لمن لم يتمكن من مشاهدة الفيديو الخاص بنفس الموضوع على صفحتي؛ سوف أتحدث عن أولادنا وبناتنا في عدة مراحل عمرية حساسة - سواء كانت الطفولة أو المراهقة أو ما بعدها. سوف أتحدث كذلك عن المفترس الجنسي sexual predator وكيف يستهدف الضحية من خلال ثغرات في حياتهم – تلك الثغرات التي يمكن للأسرة أن تسدها. سأتناول أيضاً كيفية اختيار الحضانات والمدارس، وعن كيفية حماية أولادنا وبناتنا من هذا الخطر، وسوف أقدم بعض النصائح في حال وقوع التحرش أو الاغتصاب - لا قدر الله. أثير مؤخراً وبشكل كبير جداً على وسائل التواصل الاجتماعي، موضوع الشاب الذي أتهم من قبل 100 فتاة وبعض الشباب بالاعتداء عليهم أو اغتصابهم أو تهديدهم. قبل الدخول في التفاصيل، سوف أتناول بعض الخرافات المحيطة بموضوع اليوم: الخرافة الأولى: أن التحرش أو الاغتصاب أو الافتراس الجنسي يحدث للبنات فقط، وبالتالي الأسر التي لديها بنين تشعر بالطمأنينة ولا تهتم بالموضوع و"حاطين في بطنهم بطيخة صيفي". هذا غير حقيقي وغير صحيح؛ الجميع عرضة لهذا الشكل من أشكال العنف سواء كانوا بنات أو أولاد. الخطر لا يفرق بين ولد وبنت. الخطر قائم وقريب من الجميع. الخرافة الثانية: أن التدين يحمى الأولاد والبنات من هذا الخطر، وهذا أيضاً غير حقيقي وسوف نتناول ذلك بالشرح فيما بعد. الخرافة الثالثة: بالتأكيد من تعرض/ت للتحرش أو الاغتصاب، أو من وقعوا فريسة للمفترس الجنسي، كانوا يتصرفون بطريقة معينة أو يرتدون أشياء معينة، أو أن بعض سلوكياتهم كانت غير سليمة؛ وبالتالي جلبوا على أنفسهم هذه المصيبة. الخرافة الرابعة: هذه الفاجعة تحدث فقط في العائلات المتسيبة. ستظهر تلك الخرافة بوضوح عند الحديث عن الثغرات. الخرافة الخامسة: هذه الجريمة تحدث في طبقات معينة؛ ولا أدرى ما هي هذه الطبقات المقصودة. هناك من يقول في الطبقات العليا فقط، وهناك من يقول إنه فعل متكرر في الطبقات الشعبية. في واقع الأمر، هذه الجرائم تحدث في كل الطبقات وفى أي مجتمع. الخرافة السادسة: المغتصب أو المتحرش أو المفترس شخص قبيح وشكله سيء وعنيف كالصورة النمطية التي دائماً ما يصدرها الإعلام لنا. هذا غير حقيقي. قد يكون شكله جميل جداً وأنيق جداً ومهذب جداً. قد تكون بنيته الجسمانية أيضاً لا تدل على العنف الذي بداخله؛ بالتالي لا يمكن التعرف على هؤلاء المجرمين من خلال الشكل فقط. الخرافة السابعة: التحرش أو الاغتصاب أو الافتراس الجنسي يحدث بدافع الشهوة، وأن المفترس يعانى من الكبت. المجرم قد يكون مجرد شخص عنيف يستمتع بفرض سيطرته على الضحية أو أنه يتلذذ برؤية شخص يتعذب أو يستجدى، أو لديه "مركبات نقص" هائلة مثل الإحساس بالدونية وغيرها. قد يكون المفترس أحد أفراد العائلة ومن المؤسف أن أقول، وهذا يحدث بالفعل، قد يكون المفترس: الجد أو العم أو الخال أو شخص في محيط العائلة من الجيران والأصدقاء. كيف يستهدف المفترس الجنسي ضحيته؟ هل هذا المفترس يستهدف فقط البنت الجميلة المنطلقة التي ليس لديها أهل يراقبونها؟ الإجابة لا. إن المفترس قد يستهدف ولد أو بنت، وأنا أكرر أن الاستهداف الجنسي لا يكون فقط للبنات. يستهدف المجرم ولد وحيد أو بنت وحيدة، وأعني بوحيدة "معزولة" ليس لها أصدقاء أو شلة أو أهل، تقضى وقتها وحدها على الإنترنت أو الهاتف أو التابلت. المفترس يبحث عن شخص أهله صارمين جداً! نعم صارمين جداً؛ لأن الشخص الذى لديه أهل صارمين عندما يقع ضحية تحرش أو افتراس جنسي لن يخبر أهله بدافع الخوف، وقد يستغل المفترس هذه النقطة للضغط على الضحية وتهديدها بإخبار الأهل حتى يضمن خضوع الضحية أكثر والإقدام على تصرفات أخرى سيئة جداً. يستهدف أيضاً الولد أو البنت ممن لديهم عدم ثقة بأنفسهم؛ ومن المؤسف أن التنمر يحدث بشكل كبير جداً في مجتمعنا - تنمر على الأولاد وعلى البنات من حيث شكلهم وجسمهم وحجمهم وقدراتهم وطريقة مشيتهم ...إلخ. التنمر ليس له سقف. عندما نجد مثلاً فتاة تعاني من التنمر بسبب لونها أو شعرها أو جسمها أو أي شيء آخر فيها، نجدها وقد فقدت الثقة بنفسها. نفس الحكاية بالنسبة للولد الذي دائماً ما يسمع جمل تعبر عن التنمر من الأهل ومن الأصدقاء وغيرهم. بالتالي يصبح فقدان الثقة بالنفس مدخل جيد للمفترس، والذى في الغالب ما يقوم في البداية بمراقبة البنات والأولاد لاختيار الضحية. من المترددة؟ من الخائفة؟ من علاقتها بأهلها سيئة؟ من تتعرض للضرب يومياً؟ من دائماً يبكي؟ من الوحيد؟ من ليس لديه من يدافع عنه؟ في هذه الحالات يكون هذا الشخص هدف وفريسة. يقوم المفترس بعدها بالتقرب للضحية ومحاولة تكوين علاقة صداقة معه/معها وإغراقها بعبارات الإطراء والمدح والطمأنينة مثل: "أنت جميلة قوى. ازاي مارتبطيش لحد دلوقت؟" " إزاى مفيش حد معاكي؟" " احنا حبايب.. احنا أصحاب" " أنا هسمعك أنا هحميك" " أنا قريب منك متخافيش " " أنا هفضل جنبك، أنا موجود في أي وقت" وغيرها من الطرق التي تصوره كالمنقذ المخلص لها مما هي فيه وتعانيه. بعدها يسخر نفسه لسماعها بكل حواسه، وفي هذه المرحلة تقوم الضحية بسرد كافة التفاصيل عنها كقسوة الأب أو الأم وغيابهم أو إهمالهم أو مشاجراتهم وغيرها. يقوم هذا المفترس بتسجيل اعترافات الضحية وبلورتها جيداً حتى يعيد استغلالها لصالحه ضد هذه الضحية إلى أن يتمكن منها تماماً، ويبدأ تدرجياً في طلب ما يريده منها. أين تكمن المشكلة؟ البداية تكون من خلال الثغرات والتي يدخل منها هذه الكائنات المريضة المجرمة. أولى هذه الثغرات ثغرة الأب: كالأب الغائب سواء كان مسافر أو توفاه الله، أو موجود على قيد الحياة ولكن ليس له أي وجود في حياة أبنائه. الأب الصارم. الأب العنيف. "الأب البعبع" الذي لن يسند أولاده أو يساندهم أو يتحمل مشكلاتهم أو يدافع عن حقوقهم. الثغرة الثانية هي ثغرة الأم: الأم " الملهية"، ولا أقصد بكلامي هنا "الأم العاملة "، الموضوع مرتبط فقط بهل هي متواجدة أم غير متواجدة؟ ما هو شكل وجودها؟ هل وجودها هذا حضن وأمان وطمأنينة ودعم وسند، أم وجودها عبارة عن لوم وألم وعتاب وسخرية وفضيحة! تخيلوا أن يقوم ولد أو بنت بالفضفضة مع الأم، ثم تقوم هي بعدها بفضحه أو فضحها على الملأ! الوحدة أيضاً ثغرة لأنها تعنى أن هذا الطفل أو المراهق بمفرده والأم والأب مشغولون وليس بالضرورة أن يكون السبب "أكل العيش"، ربما يكونوا مشغولين بأصدقائهم، بأمراضهم النفسية، بأعباء ما... وبالتالي فإن الأبناء إما أمام الهواتف والتابلت أو متروكون لأصدقائهم يشكلونهم كيفما يشاؤون! كذلك ثغرة عدم الثقة بالنفس وفقر تقدير الذات؛ عندما يرى الشخص نفسه دوماً بصورة سيئة لأنه عادة ما يسمع عبارات مثل " مفيش حد كويس هيبصلك " " مفيش حد هيتجوزك " " يبقى قابلينى" أو سماع الولد عبارات " أنت صايع " " أنت أخرك كذا " " أنت ضعيف وهفأ". بالإضافة إلى وجود بعض الثغرات الأخرى من الحضانة أو المدرسة؛ معظم الناس عندما يقدمون لأبنائهم في حضانة أو مدرسة، في الغالب ما يسألون عن المصاريف وعن المناهج العلمية وعن الشهادات وعن بلدان المعلمين وخاصة في المدارس الدولية. منهج بريطاني أم كندي أم إنجليزي؟ لكن لا أحد يهتم بأسئلة مثل: هل تهتمون بعمل تدريبات للأطفال عن التنمر؟ هل تقدمون دروس للأطفال عن كيفية مواجهة التحرش؟ ما هي سياسة المدرسة تجاه التنمر والعنف الجنسي والجسدي؟ كم عدد المشرفين والمشرفات لديكم؟ الثغرة الكبرى التي يدخل منها المفترس هي أن الضحية ليس لها ظهر أو سند ... ليس لها شخص تشكو أو تحكى معه أو يدافع عنها في ظل خوفها من ردود فعل الآباء والأمهات والعائلة والمجتمع. أود أن أتناول بمزيد من الإيضاح خرافة التدين؛ يؤكد البعض أن البنت المتدينة لا يمكن أن تتعرض لمشكلة التحرش أو الافتراس الجنسي. هذه خرافة. لماذا؟ لأن البنت المتدينة الملتزمة عندما تسير في الشارع مثلاً يقوم البعض بالـ " البسبسة" لها أو معاكستها أو التحرش بها في الميكروباص أو الأتوبيس. هي ليست مخطئة بل المجتمع لا ينصفها. إذا قامت بالصراخ لكي تأخذ حقها يقولون لها "أنت فضحت نفسك"! البنت المتدينة الملتزمة ممكن أن يصل لها المجرم عن طريق الإنترنت، ويدخل لها من ثغرة الخوف من أهلها أو من ثغرة أنه لا يوجد أحد يسمع لها، أو من ثغرة أنها تريد أن تشعر أنها جميلة وأن يقال لها كلام جميل، أو من ثغرة أنها تريد أن تحب وتشهر بالحب أو من ثغرة "أنا هتجوزك وهنقذك من بيت أهلك" وغيرها من الثغرات. التحرش والافتراس الجنسي أمر مؤلم ومرعب، وقد يحدث في أي سن أو مرحلة عمرية ولا يوجد شخص محمي منه على طول الخط. الأمر مثل الفيروسات والكل معرض للإصابة بها. لذا ليس من العدل أن نظل دوماً نلوم الضحية ونجلدها. هل توجد خطة لحماية أبنائنا من المتربصين والمتحرشين والمفترسين جنسياً؟ الإجابة لا. لا يوجد خطة مثلاً نقول إننا لو نفذناها سوف نحمي أولادنا وبناتنا بنسبة مئة بالمئة من الوقوع في فخ المفترس. لكن يمكننا أن نكون دوماً في صف أبنائنا وأن نصدقهم وأن نعلمهم أشياء صحيحة عن أجسامهم - أي التربية الجنسية. قد يعترض البعض عندما أتحدث عن التربية الجنسية بحجة أننا نفتح أعينهم. ليس هذا الغرض من التربية الجنسية. الهدف الحقيقي هو أن نسلحهم بالعلم والمعرفة والتي يمكنهم من خلالها الرد على أي معتدِ أو متحرش أو متربص بهم. كذلك لابد أن يأخذوا معلوماتهم منا وأن نكون موجودين في حياتهم ليس فقط بأجسادنا بل بعقولنا ووجداننا وأرواحنا ونعطيهم من وقتنا ونصل له رسالة أنهم مهمون في حياتنا. النقطة الأخرى هي التوقف عن التنمر عليهم والمقارنات المجحفة في حقهم. مهم أيضاً أن يشعروا بالأمان، بمعنى أننا لن نهجم عليهم ونفتش ورائهم ونأخذ هواتفهم عنوة لكي نرى ما بداخلها. من لا يشعر بالأمان لن يمتنع عن ارتكاب الأخطاء، بل سيشعر بالمزيد من الخوف والعزلة، مما سيدفعه إلى ابتكار المزيد من خطط الهروب بدون أن ينكشف أمره. أعود وأكرر أن الوقوع ضحية للافتراس الجنسي ليس عيب الأولاد أو البنات أو قلة تربية، بل هي ثغرات في التربية، في البيت، في الحضانة، في المدرسة؛ وهذه الثغرات هي التي تجعل من الشخص فريسة سهلة ويمكن للمفترس أن يدخل له من خلالها . ماذا نفعل عندما تقع الفأس في الرأس؟ ماذا ستفعل الضحية؟ هل ستحكي للأهل؟ هل ستصارحهم؟ هل ستطلب حمايتهم؟ لابد أن نؤكد لأطفالنا منذ نعومة أظافرهم أننا موجودون في أي وقت وباب غرفتنا مفتوح لهم ونحن معهم بكل جوارحنا. من المهم جداً أنه عندما تأتي الضحية بقصة مؤلمة ألا نردها مرة أخرى في حضن الجاني، فلا نشكك في كلامها، وأن نكون لها الدعم والسند والحضن والحب. لا ننسَ دورنا في توفير معايير الأمان؛ أنا كأم مثلاً قبل أن يذهب ابني إلى الحضانة أو المدرسة أو النادي أو أي مكان، يجب أن أتأكد من وجود إشراف كاف من حيث العدد والوعي. إذا قام أحدهم بإبلاغكم أن طفلكم أو ابنكم ارتكب جريمة تحرش أو افتراس، لا تتجاهلوا الأمر أو " تطرمخوا" بدافع أنه " صغير ومش فاهم" و " بكرة يكبر". هذا التصرف لا يعالج المشكلة لأن هذا المتحرش الصغير سوف يصبح مفترس جنسي ومجرم في المستقبل. في النهاية أتمنى أن نتوقف عن لوم الضحية وأن نبقى دوماً في ظهر أولادنا. في حال كان طفلنا هو الجاني، فعلينا أن نرجع الحق لأصحابه، وأن نعلمه الصواب والخطأ وأن نحاول أن نشعره بالتعاطف مع الآخرين مع التوجيه والتربية منذ الصغر. ربنا يحفظ أبنائنا وأتمنى أن نراجع أنفسنا ومفاهيمنا وأن نحرص على الكلام الذى يخرج من أفواهنا أمام الأبناء، لأن هذا يعطيهم مؤشر لكيفية التصرف عندما يتعرضون لهذا الموقف، وتذكروا دوماً أنكم خط الدفاع الأول لأبنائكم.