مروة رخا تكتب للحب ثقافة: ابنتكما تعرضت لاعتداء جنسي؟ لا تكونا سكيناً في يد المعتدي
مع ظهور وقائع جديدة لفتيات تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، ظهر أيضاً ضغط الأهل الذي يمنع الفتاة من الحديث واتخاذ إجراء قانوني. كيف يتفهم الأهالي وقائع الاعتداء التي تتعرض لها بناتهن؟ وكيف يدعمونها ولا يتحولون لمصدر دعم للمعتدي نفسه.
بدأ العام الدراسي وبدأت معه نوبات البكاء المباغتة التي تنتاب “آثار”*، ووصل الأمر إلى ما يشبه الشلل كل صباح.
احتارت والدة “آثار” ووالدها وبدأت رحلتهما مع الأطباء.
أكدت الفحوص أن الطالبة “آثار رسمي”، ذات الستة عشر ربيعاً، في أتم صحة ولا توجد أي مشكلة عضوية بجهازها العصبي أو المناعي.
نصح الأطباء الأهل بعرض ابنتهم على طبيب/ة للأمراض النفسية والعصبية وهناك كانت الصدمة.
اكتشفت الطبيبة بعد اختبارات عديدة أن “آثار”، الطالبة في الصف الأول الثانوي، تعرضت لتجربة اعتداء جنسي أثناء الصيف ولم تخبر بها أحداً – بل لم تخبر بها نفسها.
من شدة الصدمة، دفن العقل الباطن هذا اليوم المظلم بتجربته المؤلمة في أعماق نفس “آثار” وتعاملت الفتاة وكأن شيئاً لم يحدث – إلى أن بدأت الدراسة وواجهت زميلتها التي تسببت في انتهاك “آثار”. عندها خرج المارد من القمقم وهاجمت الذكريات الفتاة وأصابتها بنوبات البكاء والإغماء والشلل.
عشرون دقيقة فقط
في يوم مشؤوم في الصيف الماضي خرجت “آثار” مع مجموعة من الصديقات ليقضين اليوم في مول كبير تحت إشراف إحدى الأمهات. هناك من أخذت صديقتها لتريها حذاء أعجبها وهناك من ذهبن لاستكشاف محل جديد للإكسسوارات، أما “آثار”، فقد اختارتها “شذى” للذهاب معها إلى الحمام.
في الحمام، أخبرتها أن هناك شاباً في ساحة الانتظار الخلفية للمول ينتظرها وأنها ستذهب لتقابله. قالت “شذى” إنها لا تريد أن تذهب وحدها حتى لا يلحظ أحد غيابها، وطلبت من “آثار” الذهاب معها.
بحسن نية، وافقت “آثار”، وهناك، في السيارة، جلس شابان جامعيان. انتقل أحدهما للمقعد الخلفي، جلست “شذى” في المقعد الأمامي بجوار صاحبها، وطلبت من “آثار” الجلوس في المقعد الخلفي حتى تنتهي من الحديث مع حبيبها.
لم تفكر الفتاة كثيراً وجلست في المقعد الخلفي لتفاجأ أن “شذى” وحبيبها يتبادلان القبلات واللمسات، وفي نفس الوقت هجم عليها الصديق الجالس في المقعد الخلفي بجوارها. قيد يديها وقبلها عنوة وتحسس جسدها، ثم أخرج قضيبه وأجبرها على لمسه ووضعه في فمها. انتهت “شذى” ونزلت من السيارة وأمرت “آثار” بالنزول، ثم عادتا إلى المول.
لم يستغرق الأمر أكثر من عشرين دقيقة. أقل من نصف ساعة لم يلحظ أحد فيها غيابهما. أقل من نصف ساعة تم فيها الاعتداء على “آثار” والتحرش بها وهتك عرضها وإجبارها على ممارسة أفعال جنسيةً مع شابٍ غريبٍ لا تعرف سوى اسمه الأول.
صدمة الأم والأب كانت مريعة! كيف حدث هذا لابنتهما؟ متى؟ أين؟ لماذا؟
خرافات عن التحرش الجنسي والاغتصاب
ماذا عنك قارئ وقارئة هذا المقال، كيف ستتصرفون إذا كنتم مكان أهل “آثار”؟ لمعرفة إجابة هذا السؤال، فلنتحدث أولاً عن الخرافات حول أمور التحرش الجنسي والاغتصاب.
أولاً: يمكن للفتاة/الفتى المقاومة الجسدية والصراخ
الحقيقة أن الجهاز العصبي يحمي كل إنسان من الألم والصدمات النفسية بطريقة مختلفة؛ في بعض الحالات يعيد صياغة الموقف لصالحك ويقنعك أن هذا السيناريو الخيالي هو ما حدث في الواقع. في حالات أخرى قد يحذف أجزاءً كاملةً من الموقف، وقد يحذف الموقف بأكمله.
كذلك، هناك من يمكنهم الصراخ عند مواجهة الخطر وهناك من يصيبهم العجز والشلل من الصدمة. لهذا ليس من السليم تخيل نفسك مكان الضحية، سواء كان فتاة أو ولد، لأنك ببساطة لست في مكانها.
ثانياً: لا يمكن أن يحدث إيلاج إلا إذا سمحت الفتاة أو تعاون الولد
عضلات الحوض والمهبل وفتحة الشرج، مهما كانت قوية، فهي ليست بالقوة الكافية لتمنع الاعتداء.
تذكروا أن المفترس الجنسي يستخدم الضرب والصفع والركل والتهديد بأسلحة، وغيرها من الطرق لإخضاع ضحيته.
تذكروا أنه لو واجهكم لص يحمل مطواة في الشارع و”غزَّكم” (ضغط بالسكين على أجسادكم) بشكل خفيف، ستتركون محافظكم وهواتفكم وحقائبكم وساعاتكم لينصرف ويتوقف الجزع.
كذلك أود أن أذكركم أن الاعتداء الجنسي يشمل لمس المناطق الحساسة وإجبار الضحية على ارتكاب أفعال جنسية ضد إرادتها. أما الاغتصاب فهو لا يقتصر على إيلاج العضو الذكري في المهبل أو الشرج، الاغتصاب قد يحدث باليد والأصابع وأي أداة يقحمها المعتدي في الأعضاء التناسلية الأنثوية او الذكرية.
ثالثاً: ما دامت لم تحدث مقاومة، فالضحية مستمتع/ة
البكاء والتوسل والصراخ والركل من أشكال المقاومة التي يمكن للضحية استخدامها ضد المعتدي، لكن ماذا لو كانت المقاومة تثير المفترس الجنسي؟ ماذا لو كانت المقاومة تدفعه للمزيد من العنف؟ لهذا أذكركم ألا تحاولوا تخيل رد فعلكم إذا حاول أحدهم هتك عرضكم.
رابعاً: ملابس الفتاة وتصرفاتها السبب فيما تتعرض له من انتهاكات – ماذا عن البنين؟
المفترس الجنسي ليس رجلاً مستثاراً. الشهوة ليست الدافع الأول لجرائم التحرش والاغتصاب. المجرم شخص يستمتع بسرقة ما، ليس له مثله مثل هجام المنازل. المغتصب يريد فرض السيطرة والاستمتاع بإخضاع الضحية حتى لو لم يكن يعرفها من قبل.
خامساً: إيه اللي وداها أو وداه هناك؟
قد يلجأ المجرم إلى عدة أساليب لاستدراج الضحية، منها الخداع كما حدث مع “آثار”. كذلك التهديد بالانتحار، إشعار الضحية بالذنب، الصداقة الزائفة، ادعاء الحب، استغلال وحدة الضحية أو ضعف علاقتها بأسرتها، الإطراء، التهديد بالفضيحة، وغيرها من الأساليب.
كذلك هذا الرأي ينفي عن الفتاة أو عن أي شخص حرية الحركة بأمان في أي مكان تريده أو يريده.
شجعوهم على البوح
قد تتساءلون عن “آثار” وماذا حدث لها. ما زالت “آثار” تخضع للعلاج النفسي ولكنها في تحسن مستمر. تساعدها الطبيبة على تقبل ما حدث لها والتحرر من مشاعر الذنب والخزي والعار.
تساعدها الطبيبة كذلك على التغلب على فقر تقدير الذات وفقدان الثقة بالنفس ومشاعر كراهية جسدها وأعضائها. ما زالت “آثار” تعاني من نوبات الهلع والقلق والاكتئاب وتشتت الانتباه والسرحان وضعف التركيز. ما زالت غير قادرة على تكوين علاقات صداقات صحية بسبب الشك و”البارانويا”.
إذا تعرض أحد أولادكم للانتهاك، في أفضل الأحوال ستعرفون منه/منها مباشرة، وفي أسوأ الحالات لن تعرفوا مطلقاً. قد تلاحظون علامات جسدية على الضحية وقد تنجح في إخفائها. لكن التغيرات في السلوكيات والمعاملات اليومية من الصعب إخفائها. من الصعب إخفاء القلق والخوف والاكتئاب وفقدان الدافع للحياة.
إذا تأكدتم، أو كنتم في مرحلة الشكوك، عليكم بالاستعداد نفسياً لتقبل ما حدث – أياً كان ما حدث!
أنصحكم أيضاً بالتقرب من أبنائكم وبناتكم وأن تكونوا عوناً لهم ضد المعتدي بدلاً من أن تكونوا سكيناً يستخدمه لتهديدهم وإخضاعهم وابتزازهم.
شجعوهم على البوح وطمئنوهم تجاهكم. صدقوهم. لا تلوموهم. اعذروا صغر سنهم وقلة خبرتهم. انصتوا لهم. ابكوا معهم. احضنوهم. إذا كان هناك طريق قانوني لأخذ حق الضحية لا تترددوا في اتخاذه. العار عار الجاني المعتدي وليس عار الضحية. الدعم النفسي مهم جداً والعلاج النفسي ليس وصمة.
* قصة “آثار” قصة حقيقة تم تغيير بعض التفاصيل والأسماء للحفاظ على خصوصية الأسرة.