دراما رمضان وأزمة العنوسة
تحقيق / باسنت موسى
عدد كبير من الأعمال الدرامية امتلأت بها الشاشات الفضائية طوال أيام شهر رمضان الذي أوشك على الانتهاء، المجال الصحفي كان هو الأكثر تناولاً كمهنة داخل تلك الدراما هذا العام، أما المشكلة الاجتماعية التي برزت من خلال أكثر من عمل فقد كانت "العنوسة" وتحديداً عنوسة المرأة في مجتمع كمصر، هناك مَن تناول تلك المشكلة ببعض التفهم لأبعادها وهناك من أتخذها وسيلة للتهكم على نجاح المرأة وشخصيتها واعتبارها بلا رجل كائن ناقص يعانى عقد نفسية، "هي وحقوقها" استطلعت آراء المشاهدين والمتخصصين لتقييم طريقة المعالجة الدرامية لتلك المشكلة الاجتماعية الهامة…
"مي" 26 عام ترى: أن دراما رمضان لهذا العام عكست الواقع بشكل جعلها تشعر بمزيد من اليأس من إمكانية وجود أمل في التغيير، وأزمة"العنوسة" واحدة من المشكلات التي تناولتها الدراما بواقعية برأيها، فالفتاة غير المتزوجة تشعر بالإحباط واليأس نتيجة بقائها وحيدة دون شريك يبادلها الحب بكل التزاماته، وعكس هذا الإحباط من خلال الدراما ليس إقلال من شأن المرأة وإنما إيضاح لحجم معاناتها بلا رجل.
"وائل" 36 يعتقد أن: هناك ظلم في التناول الدرامي لمشكلة "العنوسة" حيث أن أغلب المسلسلات صورت أن الفتاة وحدها هي من تتأثر سلبياً نتيجة عدم الزواج، في حين أن الرجل أيضاً يتأثر بالسلب ليس بسبب الضغوط الاجتماعية، وإنما بسبب ضغط الحاجة النفسية للحب والجنس معاً، ويدور في صراع هل يخالف الدين ويقيم علاقة مع سيدة دون زواج أم يتجه للزواج ويخاطر بتحمل مسئوليات مادية كبيرة؟، وائل كما أوضح لنا أنه يعاني هذا الصراع لكنه قام بحسمه بعلاقات بعيدة عن الزواج تشعره ببعض الندم لكنها تُنفث عن احتياجاته حتى لا يصاب بعقد نفسية قد تدفعه للانفجار.
"ماريان" 28 عام تقول: العانس فتاة غير مقبولة اجتماعياً، ولا يمكن أن تقدم الدراما صورة عكس ذلك لها وإلا ستكون درب من الخيال الغير مقبول من مجتمعنا، أنا على سبيل المثال أعاني من الرفض الاجتماعي لي، فالجميع يتهامسون متسائلين عن سبب عدم زواجي حتى الآن بل أن البعض بدأ يروج أنني حتماً أخشي من اكتشاف شيء خطأ في لذلك لا أتزوج، الدراما يجب أن تقدم للمجتمع كل ما نعانيه نحن كعازبات داخل مجتمع لا يعترف سوى بقيمة المتزوجات فقط.
"أحمد" 25عام: سعيد جداً بالسخرية التي تناولت بها بعض الأعمال الدرامية مسألة "عنوسة الفتيات" وذلك لأنها أظهرت برأيه حقيقة الفتيات الغير متزوجات لعمر كبير نسبياً، تلك الحقيقة التي تؤكد كما يرى أن الفتاة العانس هي شخصية معقدة غير سوية تنظر للرجل على أنه وحش سيلتهمها لذلك يجب أن تحاربه وتقف له كند أساسي، مما يجعل الرجل يرفض هذا فليفظها من أن تكون زوجة له وأم لذريته.
"منى" 27 عام تقول: الأعمال الدرامية ليست ذات قيمة لدرجة أن نناقش تأثير محتواها على المتلقي، فالمسلسلات لا تشكل الرأي العام وإنما تستخدم للترفية عن المتلقين في منازلهم، وعندما تقدم لنا شخصية المرأة العانس بسخرية إنما تريد منا أن نضحك وليس أن نحتقر، فلماذا نحمل الأشياء فوق ما لا تحتمل؟
"محب" 30 عام: يختلف مع طرح منى مؤكداً أن الأعمال الدرامية تشكل وعي المتلقي وليس فقط ترفه عنه، خاصة وأن الكثيرين من أفراد مجتمعنا يعتمدون عليها لتشكيل جزء من وعيهم بما حولهم من مشكلات، لكن ولأن حتى كتاب الدراما غير قادرين على وضع تصور كامل وحقيقي لـ "مشكلة العنوسة" فهم يكتفون بالتهكم على مَن يعاني منها، ولا يدركون أن تهكمهم هذا جارح لنسبة ليست بقليلة من المشاهدين وخاصة الإناث منهم، أتذكر أنه العام الماضي قدمت الفنانة "ماجدة زكي" مسلسل تحت عنوان "حارة العوانس" وقدمت من خلاله حلولاً لمشكلة تأخر سن زواج الفتيات من الطبقات الاجتماعية البسيطة، مثل تلك النوعية الإيجابية من الأعمال الدرامية يجب الإكثار منها حتى يتفهم الجميع طبيعة مشكلات معقدة كـ "العنوسة" فلماذا لا يساعدنا كُتّاب الدراما على تحقيق ذلك؟
"مروة رخا" الكاتبة المتخصصة في العلاقات العاطفية تقول: كلمة "عانس" تحمل إيحاءات سلبية كثيرة تجرح مشاعر الأنثى، في حين أن لفظة "عانس" ليست مؤنثة وإنما يمكن إطلاقها على الذكر والأنثى معاً، فالمرأة ليست فقط هي التي تشعر بالضرر نتيجة عدم الزواج وإنما الرجل أيضاً، الفتاة قد يعرضها تأخر الزواج لبعض المشكلات في الإنجاب نعم لكن الرجل أيضاً مع العمر تزداد فرص إنجابه لأبناء مشوهين، للفتاة والشاب احتياجات متساوية عاطفياً وجنسياً وتلك الاحتياجات تضغط عليهم طالبة التحقق والإشباع ولأننا مجتمع منافق يحدث الإشباع لتلك الرغبات والاحتياجات من جانب الفتاة والشاب لكن دون أن يفصح أحدهم للآخر، وبذلك النفاق الاجتماعي لم نستطع أن نكون مجتمع محافظ أو منفتح، الفتاة هي التي دوماً تعكس ذلك النفاق بحيث تفعل ما تشاء مع الحفاظ على كونها عذراء أو تتخطى كل ذلك وتعالج النتائج بتدخل طبي، الدراما عندما تعكس هذا الواقع من خلال أعمال فنية تتهم بأنها تسيء لسمعة الفتيات المصريات وتدعو للانحراف وما إلى ذلك من اتهامات خائبة تؤكد أن مطلقيها يدفنون رءوسهم في الرمال ولا يروا الواقع بعين صحيحة.
الدراما الرمضانية في غالبيتها قدمت "العانس" بالشكل التقليدي المضحك الذي كان يقدم في خمسينات القرن الماضي، وذلك على اعتبار أن "العانس" هي الفتاة القبيحة الشكل التي لا يقبل عليها الرجال، لكن تلك الصورة ليست هي المناسبة للقرن الواحد والعشرين، فالفتاة الغير متزوجة الآن أو "العانس" كما يطلقون عليها هي فتاة جميلة وناجحة ومثقفة لذلك هي لا تبحث عن أي رجل للستر وإنما شريك للحياة تتحقق من خلاله وترتقي اجتماعياً ومادياً بحيث يناسب طموحاتها،الرجال يعانون من عنوسة أيضاً لأن الكثير منهم لا يريدون أو بمعنى أدق غير قادرين على تحمل مسئولية الزواج مادياً واجتماعياً، ومن الخطأ أن تعتمد الدراما في رسم أبعاد مشكلة "العنوسة" على جذب الضحكات من فمنا من خلال السخرية على الأشخاص وليس على المواقف فتلك السطحية في التناول دليل جديد على فقرنا الفكري،ولا تحقق سوى المزيد من الضغوط الاجتماعية على الإناث العازبات تحديداً.
الكاتبة الصحفية"مريم مكرم" ترى أن مشكلة" العنوسة" حساسة للغاية داخل المجتمع المصري ويعاني منها كثيرين يقدر عددهم بالملايين كما تؤكد الإحصائيات،والدراما عندما تتناول تلك القضية أو المشكلة بالمعالجة لا تراعي حساسيتها وكافة أبعادها وإنما تقتصر في الطرح على ترسيخ بعض الأفكار السلبية عن الفتاة غير المتزوجة كأنها قبيحة أو غير مرغوبة عاطفياً من الرجل،في حين أن الواقع الحقيقي يطرح أسباب أخرى لتأخر سن الزواج للجنسين كالتدني الاقتصادي للكثير من الشباب والطموح الكبير من الفتيات والذي قد يجعلها لا تنشغل سوى بعملها وبتحسين وضعها الاجتماعي وربما هذا ما يقلق الرجل الشرقي المصري الذي يحتاج في الغالب لامرأة صغيرة في العمر غير متحققه أو مختبرة للحياة حتى يسهل عليه إعادة تشكيلها بما يتوافق مع طباعه وأفكاره.
وعن أفضل الأعمال الدرامية التي تناولت أزمة"العنوسة" تقول مريم أن مسلسل" بنات في الثلاثين" واحد من النماذج الإيجابية التي طرحت مشكلة تأخر سن زواج الفتيات بشكل جدي حقيقي مستوعب لأبعاد نفسية الفتاة وطبيعة الضغوط الاجتماعية التي تمارس عليها عندما تنجح دون أن يكون جانبها رجل فتضطر للزواج من قبيل أداء الواجب وتعذب بعد ذلك أو تعيش حياتها دون استمتاع حقيقي،المهم والجدير بأن يناقش من قبل الدراما والسينما في مشكلة"العنوسة" كما ترى مريم هو الجانب النفسي والجنسي للعازبين من الشباب والفتيات والذين حتماً كما تقول يلجئون لإشباع تلك الاحتياجات عبر علاقات خارج مظلة الزواج مما يشعرهم ببعض الذنب والضيق،وتذكر في هذا الإطار الكثير من القصص لفتيات رائعات وناجحات في حياتهن العملية لكن لا يجدن زوج مناسب لأمالهن فيندفعن في علاقات حب دون زواج،هنا برأيها يجب يأتي دور الدراما والسينما لإيضاح وكشف مثل تلك الحلول التي يلجأ لها البعض تحت ضغط الحاجة العاطفية والجنسية دون خوف من الطرح والمناقشة وذلك أفضل من مجرد تكرار نفس أشكال السخرية "العنوسة"وخاصة تلك التي تلحق بالفتاة.
You must be logged in to post a comment.