فتحت لها الباب و راقبت خطواتها المترددة و هى تسير نحو كرسى الاعتراف. قالت بصوت يرتعش
" ممكن تطفى النور اللى فوق الكرسى؟ ممكن ماتبصيليش؟ ممكن ماتحاكمينيش؟ أنا مش وحشة … و الله أنا مش وحشة!"
و رأيت دموعها تتسابق و أدركت أنها ليست دموع الندم فدموع الندم بطيئة ثقيلة تدعوا صاحبتها لتغطية وجهها فى خجل أما دموعها تلك فكانت دموع رثاء … دموع تتكون ثم تنهمر فى صمت… دموع تحب أن تشاهدها أمام المرآة فى إعجاب.
"
أنا عايزة أسئلك سؤال: هو ربنا لما وضع حد الزنا للمتزوجين ليه ماعملش استثناءات؟ يعنى ليه اتساوى الظالم مع المظلوم؟ أنا مش خاينة و أرفض إنى أتحط فى خانة واحدة مع الزانيات … و مش عايزة أسمع وعظ و كلام مش واقعى من نوع اتطلقى و اتجوزوا و الكلام دا .. احنا فى مصر! انتى فاهمانى؟"
"فاهمة"
"اتجوزنا … مش مهم ازاى و لا ليه و لا كان بيننا إيه قبل الجواز. كنت باسمع من ستات عائلتنا ان الواحدة لما تكون مبسوطة و متهنية فى بيت جوزها بتورد و تنور و بتحلو بعد الجواز. لكن انا بعد الجواز ذبلت و اتبهدلت … انا مش عارفة ليه ربنا كتب على الرجالة و الستات انهم مايفهموش بعض. انا قريت كمية كتب عن علاقة الراجل بالست و احتياجاتهم و كلها كانت مجرد تخمينات و محاولات لخلق لغة مشتركة بين جنسين اشتركوا بس فى صفة الآدمية. أهملنى يا مروة .. أهملنى لحد ما خونته … أهملنى!"
دموعها الآن دموع غضب … وجهها يتشنج … كتفاها ينتفضا … دموعها تنتقدها و تنتقد ضعفها.
"هو ليه الراجل متخيل ان الست محتاجة تاكل و تشرب و تخلف و بس؟ ليه مهما قلت عن احتياجى للحب و الحنان و الاهتمام عمره ما فهم؟ ايه الصعب فى رسالة بكام قرش فى وسط النهار يقوللى انى وحشته و انى على باله؟ ايه المستحيل فى مكالمة او اتنين خلال اليوم يسأل فيهم عنى؟ ايه المعضلة فى انه يفاجئنى بخروجة و لا هدية؟ أنا مش باتكلم فى بكام أنا باتكلم فى الفكرة. ليه كان بيشوفنى لكن عمره ما بص لى؟ ليه كان بيسمع من غير ما يفهم؟ ليه ممكن يقعد باليومين و الثلاثة من غير ما يكلمنى؟ ليه كان بيعاملنى على انى هوا … على انى خفية؟"
"قولتى له؟"
"قولت له؟ دا انا ركعت قدامه و غسلت رجليه بدموعى و قلت له انى محتاجة له … اترجيته … قلت له خايفة أغلط … اترميت فى حضنه و قلت له انى ضعيفة. اقول له بص لى يقول لى ما أنا باصص … أقول له كلمنى يقول لى ما أنا باتكلم اهو … اتهمنى بالجنون … قال عليا فاضية و تافهة … قلت له امسك ايدى … ضحك و سابنى."
"و هو عمل ايه بعد كدة؟"
"مش مهم هو عمل ايه .. المهم انا حسيت بايه … حسيت بفراغ … بصقيع … حضنه بارد كأنه أداء واجب … نظرته باهتة كأنه فى غيبوبة … لمسته موحشة كأنه مش بشر … واثق انى لا يمكن أغلط … متأكد من رجولته و من فحولته كأنه اخر راجل على الارض … غبى .. أنانى … حيوان! دا لو مربى قطة و لا كلب كانوا ماتوا من الاهمال … تسمعيه و هو بيتكلم قدام الناس عن الحب و الزوجة و الحميمية تقولى يا سعدها يا هناها اللى متجوزاه … كلام … كلام و بس!"
فى هذه اللحظة انقطعت الدموع و علت وجهها نظرة مرارة لا تقرأها غير امرأة تدرك معناها
"انت عارفة يا مروة يعنى ايه ألم … جسمى كله بقى مكسر … صيف شتا صقعانة … آلام فى معدتى … كوابيس فى أحلامى .. صداع لا يفارقنى … ظهرى انحنى و اختفت بروزات جسمى فى اعماق انحنائى … هالات سوداء احتضنت عيناى … مت … مت و انا حية … استسلمت للشغل و الاولاد و الحياة اليومية … و بعدين ظهر عمر. مش مهم ازاى و فين … المهم انى لاقيت راجل بيطلب يخرج معايا … راجل بيقول لى اتكلمى لانى بحب اسمعك … راجل بيشتهينى … راجل رد ليا روحى بكلامه و نظراته و اهتمامه. بدل الكوابيس ابتديت احلم بعمر و راح الألم و التكسير و الصداع و المغص و احساس العجْز و العجَز … أول مرة لمس شعرى افتكرت انى عندى شعر … جوزى عمره ما حط ايده على شعرى … عمره ما جاب سيرة شعرى اصلا و كأنى قرعة … كل حاجة فى عمر كانت بتروى عطش سنين من الحرمان و الاهمال."
"هو جوزك ما كانش بينام معاكى؟"
"لأ! كان بينام معايا 3 مرات فى الاسبوع .. لكن من غير ما يلمسنى"
ابتسمت ابتسامة تنبض بالعشق و قالت:
"أنا اتأخرت و عمر هيقلق عليا … باى باى يا مروة … ادعيلى"
"ادعيلك بإيه؟"
"بأى حاجة غير انى ابعد عن عمر"
One Response