من ساعة ما دخلِت من الباب و أنا مش قادرة أتلم على نفسى. معقولة فى واحدة الخالق الناطق أنا؟ لأ ..لأ مش شكلها و لا ملامحها … أنا باتكلم عن روحها … نبرة صوتها … الحدة اللى فى عينيها … القوة اللى فى جسمها الضئيل … ابتسامتها … حركة أصابعها فى شعرها … يا ربى حتى ريحيتها … أنا مش مصدقة! دى أنا! حاولت الملم أفكارى المشتتة و قلت لها:
"أنا حاسة إنى أعرفك من زمان"
ردت بنبرة أنا عرفاها كويس و قالت:
"مش المفروض ان أنا اللى أقول لك كدة لما أحس انى ارتحت لك و انى مستعدة أفتح لك قلبى؟"
يا دى اليوم اللى مش فايت … نفس ردودى … نفس طريقتى … ابتسمت و طلبت منها تبتدى الحكاية. بصيت لى و كأنى باصة فى المرايا و قالت:
"أنا عندى 36 سنة و مش متجوزة و مستقلة من زمان و ناجحة فى حياتى العملية و ناس كتير بتقول عليا جذابة و …"
و كأنى فى فيلم و صدى صوتها بيبعد تدريجيا ليحل محله صوت عقلى بيقول لى ان الست دى أنا كمان سنتين لو لسة ماتجوزتش. حاولت أخرس صوت العقل و أركز مع الضيفة اللى خدت بالها انى مش معها خالص
"انا اسفة … شكلى جيت فى وقت مش مناسب"
"لأ لأ خالص .. أنا مرهقة شوية بس أرجوكى كملى"
"طيب .. أنا مش هطول عليكى … أنا لا جاية أشتكى من حبيب هجرنى و لا من راجل مش طايلاه … أنا فعلا مش حاسة ان فى راجل ينفع لى. أنا واحدة عادية جدا لكن الرجالة بتتعامل معايا كأنى نجمة فى السما … أخر علاقتهم بيا الإعجاب و الإنبهار و بس. قصره! مش هو دا الموضوع … أنا خلاص اتعودت على عدم وجود راجل فى حياتى لكن أنا محتاجة طفل!"
"ازاى يعنى؟"
"ايوة! أنا تقبلت نصيبى بصدر رحب و بطلت أحلم بالفارس و الحصان و الفستان الأبيض … لكن أنا عايزة أكون أم … أم لطفل من بطنى مش لكلب لولو و لا لطفل بالتبنى و لا لأولاد أخواتى … أنا عايزة أحمَل و نفسى تغم عليا و أتعب و أتخن و أتبهدل فى الولادة و أكتئب بعد الولادة و ليلى يتقلب نهار و وأوأة و بامبرز و مصاريف و مسؤولية … و بيبى … انت عندك أولاد يا مروة؟"
بصعوبة بالغة تحكمت فى بحة صوتى المذبهلة و لجلجة لسانى الفاضحة و رديت بالنفى. هى الست دى طلعت لى منين؟ هو أنا كنت ناقصة؟ هى ازاى شبهى كدة؟
"انت أكيد بتقولى عليا مجنونة. بس أنا فعلا بافكر أسافر برة و أعمل عملية تلقيح صناعى و أرجع حامل فى طفل من أب مجمد لا أعرف أصله من فصله. و هاكتب البيبى بإسم عيلتى. و مش فارق معايا ولد و لا بنت و لا كلام الناس الجهلة … أهم حاجة انه يكون طفل سليم … أنا كبرت و كل سنة بتعدى مش هتصغرنى و كل شوية فرصى فى الأمومة بتقل و فرصى فى انجاب طفل سليم و صحى بتقل … رأيك إيه؟"
لأول مرة فى حياتى أرد رد أنا نفسى مش مقتنعة بيه و سألتها
"و الناس؟"
"ناس مين؟ مين الناس دول اللى هيتحكموا فيا و فى حياتى و فى مصيرى؟ هينفعونى بإيه دول لما أعيش و أموت من غير ما أفهم يعنى إيه أمومة؟ هو احنا هنعيش كام مرة؟ و بعدين إيه اللى انت بتقوليه دا؟ أنا لو كنت أعرف انك بتفكرى كدة لا كنت جيت لك و لا كنت ضيعت وقتى اصلا! ناس؟ ناس يا مروة؟ انت اللى بتقولى الناس؟ يعنى برامجك كلها كذب؟ مقالاتك كذب؟ ردى عليا!"
بصوت أضعف من الضعف قلت لها:
"أنت قوية و تستحملى كلام الناس لكن ابنك أو بنتك هيعملوا إيه فى الناس و أسئلتهم و لسانهم و نظراتهم؟ ليه تحكمى على طفل بالشعور بالنقص؟ انت أكتر واحدة عارفة ضريبة الاختلاف عن القطيع"
هزمت أنوثتها عندما خاطبت أمومتها … انصرفت كما تنصرف الأشباح و الأرواح الهائمة … كلامها صدمنى … مش لانه غلط و لا حرام و لا غير مألوف … أنا اتصدمت لان أنا كمان كنت بافكر فى الموضوع دا … و أجلت قرارى لمدة سنتين … لما يكون سنى 36 سنة!
You must be logged in to post a comment.