مقاس جزمتك كام؟
بابا – الدكتور رخا – عالم حشرات و أخويا أصغر منى بسنة و كام شهر و طبعا دى كانت كارثة لما بابا كان بيحضر الدكتوراه. فكان الحل هو فصل القوات المؤقت: أنا أروح عند جدتى أم بابا و أخويا يفضل فى البيت. أنا مش هقعد أحكيلكم عن جمال الفترة اللى قضيتها عند جدتى و لا قد إيه مأثرة فى شخصيتى لحد دلوقتى (الله يرحمك يا تيتا). أنا هحكيلكم عن البلسم! الـ conditioner.
اللى فيكم يعرفنى شخصياً أو شاف صورى عارف ان أنا شعرى منتشر و منطلق و منتفش و "منتكش" … جدتى طبعاً كانت عايزاه على طول ناعم و ملموم و متسرح و متضفر و نايم فى خضوع و استسلام. كان الحل هو بلسم "إلسيف" … و عشت طفولتى و مراهقتى بشعر تم ترويضه بالـ conditioner لحد ما فى يوم و أنا عندى 23 سنة شعرى تمرد عليا و على كل أنواع البلسم و الـ conditioning اللى فى الدنيا و انطلق فى كل مكان يعلن عن طبيعته الغجرية المتمردة المتفردة … و أنا وراه!
و فى يوم من ذات الأيام يا ولادى كنت بقرا مقال عن ترويض البشر و التلاعب بالآخرين .. من باب العلم بالشئ بس يعنى .. هع هع هع! و لقيت مصطلح صدمنى فى مشاعرى و فكرنى بجدتى و البلسم و شعرى … الـ "social conditioning". و اتصدمت! الناس و المجتمع بيتعاملوا معنا كبشر زى ما جدتى كانت بتتعامل مع شعرى … كله لازم يتحط فى نفس القالب و يعمل نفس الفورمة و يهبط و يتروض و يتستف و يتلم و يتشد و يتلجم! يا خبر أسود!
و أنا فى تانية ثانوى كان مقاس رجلى 38 و ماما كانت مقتنعة ان البنت لو رجلها أكبر من 37 مش هتتجوز و ياما – و هى بتحاول تسرح شعرى و تلمه – حكت لى عن زميلاتها فى الشغل اللى أول ما العريس شاف "الرجل الكبيرة" راح و ما رجعش! و أنا صدقت و خوفت على مستقبلى طبعا و لبست جزم أصغر من رجلى و مشيت بيها و على وشى ابتسامة و لا كأنى متألمة و لا مخنوقة و لا هطق و لا عضمى بينهار تحت وطأة الجزمة الضيقة! عشت سنين رافضة الصنادل و الجزم المفتوحة لأنها بتبين الحجم الحقيقى للقدم … صيف شتا لابسة جزمة سودا و مقفولة و ضيقة! و لما كبرت عرفت ان ما فيش حاجة اسمها مقاس موحد للبنات و لا مقاس موحد للولاد … عرفت ان كل قدم لها طبيعة خاصة و شكل مختلف حتى لو المقاس واحد. عرفت ان راحة الجسم تبدأ من القدمين و راحة البال تبدأ من الراس!
و دارت الدنيا و بقيت بقرا مشاكلكم و حكاياتكم و معاناتكم مع الجزم الضيقة و الشباشب الواسعة و الشعر المربوط باحكام. و أهو كله بيتحل بالبلسم و الفازلين! مش مهم خالص طبيعتك و لا ظروفك و لا شخصيتك و لا احتياجاتك و لا مهاراتك و لا أحلامك و لا رأيك … دى حيالله حياتك و انت طبعا مش حر فيها! لازم "تتفرمت" و "تتكندش" – formatting and conditioning" يعنى – و تعيش فى قالب معد مسبقاً لك و لغيرك! تمشى و انت بتعرج لأن الجزمة ضيقة و تتكعبل و تقع لو جزمتك واسعة. تلبس كعب علشان تبقى أعلى من الناس و تسف تراب الأرض لما تقع و يضحكوا عليك.
عزيزى القارئ! مقاس جزمتك كام؟
One Response