هذا الداء اللعين
كم أود أن أتخلص من هذا الداء اللعين … هذا الاحتياج المرضي للبوح … الاحتياج للصراخ في الفضاء و الاستمتاع بصدى صرختي المدوية يتردد في جوانب العالم ليصطدم بأصنام الموروثات الثقافية و العادات الصدئة و التقاليد المهترئة.
أراني في شرفتي و قد شققت صدري و لطمت وجهي وسط انهمار دموعي … و أصرخ.
أراني أتهاوى و أغيب عن وعيي – هذا الوعي الذي التهم أحشائي فأعياني
أراني وقد شفيت من مس الجن و مسخ البشر كمن استجابت لطبول الزار لسنوات لا تدري عددها.
حاولت اليوم أن أكتم صرختي … حاولت لعدة أيام ألا أشق صدري ألما و هما و غما … فشلت!
نادي إنرويل الأسكندرية ميدترينيان … غلطة في تاريخي!
تبدأ الحكاية بعد أول حلقة لي مع الأستاذ جمال عنايت و التي كانت بعنوان "أنا زوجة تانية" لمناقشة مقال بنفس الاسم لمجلة احنا.
راسلتني السيدة رندا رفعت و دعتني لأكون ضيفة نادي إنرويل الأسكندرية ميدترينيان – سيدة في منتهى الاحترام و البشاشة و التحضر.
أنا أكره السفر و أشعر بالغربة خارج بيتي و أقدس الوقت و أتجنب التجمعات البشرية، فكان أول رد لي بالرفض ثم محاولة التعجيز ثم التسويف و أخيرا اتفقنا على يوم السبت 22 مايو.
تفضلت السيدة رندا بالنيابة عن نادي إنرويل الأسكندرية ميدترينيان بالاتفاق مع سائق خاص ليأخدني من بيتي في الحادية عشر صباحا و ليعود بي إلى القاهرة في نفس اليوم بعد انتهاء الغذاء.
استيقظت مريضة و كأن دور البرد الصيفي المزعج يحاول أن يمنعني .. حاولت الاعتذار و في النهاية ذهبت.
استقبلتني السيدة رندا و قدمتني إلى رئيسة النادي – السيدة آمال – و سيدة أخرى في منتهى الذوق و الرقي تدعى راجية. كان استقبالهم مرحب و دافئ و بشوش و لكن انحصرت تعليقاتهم على صغر سني … صغر شكلي … صغر شكلي عن سني بعشر سنوات.
"انتى شكلك صغيرة أوى"
دخلنا القاعة و اتجهت الأنظار نحوي. جلسنا على المنصة و ارتكزت الأعين على وجهي تتفحصني. قدمتني السيدة آمال و من بين عشرات الحلقات و مئات المقالات، افتتحت السيدة رندا الحوار بسؤال عن مقال الزوجة التانية – و كانت بداية النهاية!
وجدت نفسي محاطة بما لا يقل عن 25 سيدة مصرية مهزوزة مهزومة مذعورة و قد توجهن إلي بالهجوم و النقد و الهجاء.
أنا العدو!
أنا المرأة الأخرى!
أنا المرأة التي تستهدف زوجها!
أنا المرأة التي ستحظى بإثار الزوج الشارد!
ارتفعت الأصوات لتكشف المستور عن نعامات المجتمع المصري!
هناك من قالت أنها تقبل علاقات و نزوات زوجها و لكنها ترفض زواجه بأخرى ثم عادت لتحتمي بالدين و تحدثت عن الرباط المقدس (الزواج) ثم أضافت أن
"ربنا ما قالش كدة"
هناك سيدة أخرى أحكمت حجابها فوق رأسها و نفثت دخان سيجارتها في الهواء بيننا ثم قالت بحدة
"ان مافيش واحدة محترمة تقول انها عايزة تتجوز راجل يومين في الأسبوع"
في هجوم مباشر على شخصي قالت سيدة أخرى
"ان اللي تعمل كدة تبقى ما عندهاش كرامة"
و امتلأت القاعة بأصوات أشباه النساء و همهمات بقايا البشر … حاولت أن أشرح لهن وجهة نظري
ترددت كلمات مثل "مسيار" و "قلة أدب" و "طلاق" في أرجاء القاعة
طلبت منهن أن يتناسوا و لو للحظات كونهن زوجات و أن يفكرن في بناتهن.
سألت:
"لو بنتك اللي لسة متخرجة و لا اللي لسة في بداية الشغل حبت واحد متجوز و هو بيلعب بيها هتعملوا ايه؟"
و جاءت ردود النعامات صادمة
"هكسر دماغها"
"مش ممكن يحصل – أنا بنتي متربية"
"اللي بتعمل كدة تبقى مالهاش أهل"
"مافيش راجل متجوز بيرسم على بنت"
"دا البنات هي اللي بترسم على الرجالة المتجوزة"
حاولت أن أشرح لهن وجهة نظري للمرة الثانية و للمرة الثانية وجدت ودن من طين و ودن من عجين
"لما تقول له اتجوزني بدل ما ترافقني أحسن"
"لما تقول له في النور مش في الخفى أحسن"
"لما تقول له أهلي و أهلك و مراتك يعرفوا أحسن"
"و لو هو رفض هتعرف انه بيتسلي و عايز عشيقة و بس … و هتقدر تسيبه"
و لا حياة لمن تنادي
ثم سُئلت عن رأيي في وضع المرأة المصرية … نظرت إلى نصف الكوب الممتلئ و أشدت بتعليمها و تفوقها و سعيها للجلوس على منصة القضاء. أشدت بقوتها و قدرتها على تحمل أقسى الظروف.
قامت سيدة بدت لي محترمة متعلمة و اتهمتني بالجهل و عدم الواقعية و بدأت تحدثني عن الفلاحة و نساء العشوائيات و من هن دون خط الفقر.
"أنا باتكلم عن المرأة المصرية اللي أنا شايفاها هنا … هي دي اللي بتسافر و بتمثل مصر"
و سمعت صوت الخراف فى رأسي
و صفق لها حزب النعامات اعترافا منهن بجهلهن و قصورهن و تخلفهن عن مثيلاتهن في العالم!
سألت سيدة عن كتابتي
أجبتها
لم يستمع أحد!
حاولت أن أحدثهن عن مشاكل بناتهن و أبنائهن من واقع المشاكل التي أباشرها …. نفي ثم نفي ثم نفي
كله تمام!
و كما هو المتوقع من التلميذ البليد الحافظ دون فهم اتجهت الأسئلة من العموم الى الخصوص و الهجوم الشخصي على من انصبت عليها احباطاتهم الإجتماعية و النفسية و الجنسية و الزوجية
"انتي عندك كام سنة؟"
"انتي متجوزة؟"
"انتي دراستك ايه؟"
ابتسمت لهن
و ابتسمت لنفسي
"مافيش فايدة"
و انتهت الندوة
سمعت شكر و إن بدا باهتا
ابتسمت ابتسامة فى عدسة بدت باهتة
و نزلت من على المنصة.
التف حولي عدد من السيدات ممن جلسن على يميني
"كلامك صح"
"اللي بتقوليه دا بيحصل"
"أنا موافقة"
"انتي عظيمة"
"انتي جيتي بدري خمسين سنة"
– خذلان –
لقد خذلتني المرأة – للمرة المليون
– تعاطف –
أعلن تعاطفي مع أبناء و بنات حزب النعام
– يأس –
مافيش فايدة!
-بارقة امل –
أم
أم من ضمن المدعوات
اصطحبت ابنتها
فتحت باب الحوار معها
أخذت الميكريفون و تحدثت بصراحة و طلاقة عن حال الزيجات المتهاوية
تحياتى لها و لكل امرأة أخرجت رأسها للنور
You must be logged in to post a comment.