فصل مجاني عن الطفل والتركيز من كتاب مروة رخا: أنا وآدم والمونتيسوري
*وجدتها! وجدتها! *
لحسن الحظ، كانت بوصلة أمومتي سليمة منذ ميلاد آدم حتى اكتشفت أنشطة المونتيسوري؛ كنت أتركه يفتح ويغلق الأدراج، يضع ما يريد في فمه، يمسك ما تتوق له نفسه بيده، ويستكشف بحرية تامة. شجعته على استكشاف عمل مفتاح النور وكبس الكهرباء والريموت كونترول. كنت، ومازلت، أحب شكل وجهه ونظرة عينيه وصوت نفسه عندما يركز في شيء ما.كنت أتركه يعبث بشنطة يدي ومحفظتي ودولابي فقط لأرى وجه التركيز هذا.
اكتشفت د. "ماريا مونتيسوري" أن الطفل يركز في حالة واحدة: إذا كان مهتماً بالمهمة التي ينفذها أو النشاط الذي يمارسه. أهم علامات تركيز الطفل هي التكرار!
ليتعلم الطفل، لابد أن يركز، وليركز لابد أن يكون مهتماً وهذا الاهتمام يظهر في التكرار. في هذه المرحلة من رحلتي لم أكن "مروة رخا" التي تراسلها الأمهات ليسألن عن أنشطة لأطفالهن أو ليجدن إجابات لاستفساراتهن.
كنت "أم آدم" التي تتبع فطرتها وتقرأ كثيراً وتحاول جاهدةً أن تسعد طفلها الجميل الصغير.
أكثر ما يؤلمني كـ “مروة رخا"، هي تلك الرسائل التي يتهم فيها طفل دون السابعة بضعف التركيز أو بفرط الحركة. قبل أن تتهموا أطفالكم بضعف التركيز أو قلة التركيز أو بفرط النشاط، ضعوا أنفسكم مكانهم وانظروا إلى المهمة المطلوبة منهم، ثم اسألوا أنفسكم:
هل هذه المهمة تثير اهتمام هذا الطفل؟
هل كتابة جملة ما عشر مرات مهمة تداعب خيال طفلك؟ هل هذا الدرس مطروح بطريقة شيقة؟ هل هو مهتم بمعرفة هذه المعلومة؟ انظروا إلى الطفل!
إذا لم تجدوا أي بريق في عينيه تأكد أن عقله يرفض هذه المهمة! قد تجدوا الطفل يفتح ويغلق الدرج مراراً وتكراراً ... لا تنهوه! قد تجدوه يركب قطع البازل ثم يفكها ليبدأ مرة ثانية ... لا تقاطعوه! إنه يتعلم ويستوعب ويكبر!
التركيز = الاهتمام + التكرار
بدأت أقرأ عن نمو الطفل العقلي، بما أن آدم كان متأخراً لغوياً وحركياً، ليطمئن قلبي. كنت أشعر بالحيرة؛ يمكن لآدم أن يعبث بشنطة يدي ومحتوياتها لفترات طويلة، ولكنه لا يجلس ليلعب بالمكعبات مثلاً، أكثر من دقيقة! وجدت أن هناك تدرج في قدرة الطفل على التركيز.
إليكم متوسط معدل التركيز في مراحل مختلفة من عمر الطفل:
• ما بين 8 و15 شهر يسهل تشتيت انتباه الطفل ولا يمكنه اللعب بلعبة واحدة أكثر من دقيقة!
• ما بين 16 و19 شهر تكثر حركة الطفل ولكنه يستطيع إتمام نشاط لا يستغرق أكثر من دقيقتين أو ثلاثة على الأكثر!
• ما بين 20 و24 شهر يسهل على الطفل التركيز في نشاط معين ما بين ثلاثة وستة دقائق – الأصوات تشتت انتباهه في هذه المرحلة!
• ما بين 25 و36 شهر تزداد قدرة الطفل على التركيز لتصل إلى خمسة أو ثمانية دقائق ويمكنه قطع اللعب للاستماع إلى حوار أو لمراقبة ما يحدث حوله ثم العودة بسلاسة لاستكمال لعبه!
• ما بين 3 و4 سنوات يستطيع الطفل التركيز في نشاط ما لمدة عشر دقائق!
هناك عوامل تؤثر على قدرة الطفل على التركيز الأمثل منها الإرهاق، أو المرض، أو قلة النوم، أو أكل الكثير من الكربوهيدرات، أو عدم تناول غذاء متوازن من الخضروات والفاكهة والبروتين.
أفادتني دراسة فلسفة المونتيسوري في فهم العوامل الأخرى التي تؤثر على تركيز الطفل كشعوره تجاه النشاط المطلوب منه - النشاط ممل بالنسبة للطفل أو النشاط صعب عليه أو النشاط لم يتم إعداده أو تقديمه بصورة منظمة وشيقة.
كان عليّ أيضاً أن أضع في اعتباري "أسلوب تعلم آدم المفضل"؛ كل انسان يولد بأسلوب تعلم مفضل يساعده في تلقي المعلومات.
30% من الأطفال يفضلون التعلم من خلال السمع، وهؤلاء من السهل عليهم الجلوس في فصل والاستماع إلى شرح المعلم وفهمه.
30% من الأطفال يفضلون تلقي المعلومات بصرياً، لذلك بدون رسومات توضيحية وصور جذابة لن يتمكن هذا الطفل من الاستيعاب بسهولة.
هناك 40% من الأطفال يتعلمون بالحركة ومن خلالها، لذلك الجلوس في الفصل لمدة طويلة، والاستماع إلى شرح المعلم، والنظر إلى صور وعروض، يصيبهم بالملل والنعاس. يتعلم هذا الطفل من خلال المشاركة في العروض المسرحية والتجارب العلمية العملية وزيارة المتاحف والأماكن الأثرية واستخدام يديه في البناء والتشييد.
خلال السنوات الثلاث الأولى، من خلال أنشطي مع آدم وملاحظتي له، تعلمت أنه طفل حركي بصري. لحسن الحظ أن نهج المونتيسوري يعتمد على تقديم الدروس والأنشطة للطفل باستخدام أقل قدر من الشرح النظري.
تجمع الأنشطة بين الأدوات التي يتفاعل معها الطفل حركياً، والصور والوسائل التوضيحية والكثير من الحركة والاستكشاف. في كتابها "العقل الماص" – The Absorbent Mind – تقول د. "ماريا مونتيسوري":
"يعد التركيز من الضروريات لنمو الطفل لأنه يضع حجر الأساس لشخصيته وسلوكه الاجتماعي. لابد للطفل من معرفة كيفية التركيز، وهذه المقدرة يتم تنميتها من خلال التدريب على التركيز على الأمور. هنا تكمن أهمية محيط الطفل والبيئة التي ينشأ فيها لمساعدته على التركيز. لا أحد يستطيع أن يملي على الطفل التركيز لأن هذه قدرة تنبع فقط من داخل الطفل.”
هذه بعض النصائح التي تساعد الطفل على تنمية قدرته على التركيز:
• النظر إلى السقف لفترات طويلة لن يفيد الطفل الرضيع في شيء؛ يفضل حمل الطفل والتنزه به في الطبيعة لفترات طويلة ليرى السماء والأشجار والشوارع والمنازل والأشخاص ذهاباً وإياباً.
• الكثير من الألعاب يضر قدرة الطفل على التركيز؛ ينصح بتقديم لعبة واحدة مثيرة لاهتمام الطفل، وأن يترك ليتفحصها ويستكشفها.
• إذا رأيتم الطفل مستغرقاً في نشاط ما لا تقاطعوه لأي سبب.
• إذا رأيتم الطفل يخطئ في كتابة شيء ما أو رسم أو بناء لا تقاطعوه لتصححوا الخطأ.
• لا تقاطعوا عمل الطفل للثناء عليه! يمكنكم الثناء عليه بعدما ينتهي من عمله وينقطع تركيزه تلقائياً.
• تكرار اللعب أو النشاط جزء من التركيز. إذا وجدتم الطفل يكرر نفس النشاط بعد الانتهاء منه لا تقاطعوه ودعوه يعمل على تطوير مهاراته!
كيف تساعدون طفلكم على التركيز في الحضانة أو المدرسة؟
إذا كان عمر طفلكم بين ثلاثة وستة أعوام، يمكنكم أن تتفكروا في هذه النصائح لتساعدوه على التركيز والاستيعاب.
• مدة الدراسة لقد فوجئت أثناء دراستي لشهادة المونتيسوري للطفولة المبكرة من عمر ثلاث إلى ست سنوات أن مدة الدراسة في فصل المونتيسوري ثلاث ساعات فقط!
سألت موجهتي عن هذه التفصيلة الصادمة فقالت لي أن هناك أشياء كثيرة يحتاج الطفل أن يتعلمها خارج الفصل مثل العلاقات الاجتماعية والتعاملات الإنسانية وأمور الحياة اليومية.
قالت أيضاً أن في البداية يكون الطفل غير قادر على التركيز على نفس النشاط لمدة أطول من ربع ساعة، وتزيد هذه المدة مع الوقت حتى تصل إلى أقصاها في سن السادسة، وهو ثلاث ساعات متواصلة من العمل على نفس النشاط أو نشاطين على الأكثر.
سألتها عن الوضع الحالي في حضانات ومدارس مصر بجميع مستوياتها، فقالت أن الأنشطة التعليمية المباشرة لا تزيد عن ثلاث ساعات، وباقي الوقت يقضيه الطفل في الزراعة أو النجارة أو الفن أو الرياضة أو اللعب الحر كيفما يشاء لان هذه المساحة من اللعب الحر تساعد الطفل على فهم ما يدرسه واستيعابه وهضمه.
• الاستراحات إذا كنا نطلب من الطفل التركيز والاستيعاب، فعلينا أن نستجيب له حينما يتوقف عقله عن التركيز والاستيعاب. من حقه استراحات عديدة أثناء اليوم من دور المتلقي ... من الجلوس ... من الصمت ... من التلقين ... من الضغوط!
في فصل المونتيسوري، من حق الطفل أن يترك نشاط ما بدأه ويخرج للحديقة أو يتصفح كتاب أو يدخل المرسم أو يتجه لركن الموسيقى أو يعد وجبة سريعة لنفسه. من حقه أن يستريح ويجدد نشاطه وحماسه ليعاود العمل مرة أخرى.
في الفصول التقليدية يجب أن يكون المعلم مبدعاً ويمزج العلم باللعب والحركة والتفاعل ويحاول ألا تكون المادة العلمية مدتها أكثر من نصف ساعة بحد أقصى.
• الحركة الحركة والاحتياج للحركة من السمات الأساسية للأطفال حتى نهاية عامهم الرابع. إذا أصر المعلم على أن يجلس الطفل بلا حركة، سيفقد الطفل قدرته على التركيز في العلم، وسيركز كل حواسه في محاولة الجلوس ساكناً.
سترهقه محاولات السكون والالتزام إلى حد الانفجار بمجرد الخروج من الفصل وسجنه. يحتاج الأطفال لحرية الحركة ليتمكنوا من التركيز!
• الطعام هناك أطعمة تنمي المخ وتساعده على التركيز والاستيعاب. الخضروات والفاكهة الطازجة والخبز الأسمر (البلدي) والبقوليات والمكسرات تنمي المخ وتبقيه متيقظاً. السكريات والمعلبات والمواد الحافظة وكل ما هو مصنع أو محفوظ مضر بالعقل والجسد ويؤثر سلباً على التركيز والاستيعاب.
• الشاشات التليفزيون والآيباد والموبايل واللابتوب يؤثرون سلباً على التركيز إذا تعرض لهم الطفل في هذه المرحلة لمدة تزيد عن ساعة متفرقة يومياً. كثرة الألوان والأصوات والحركة تحفز المخ وتصيب الطفل بشكل من أشكال تشتت الانتباه وضعف التركيز وتفقده القدرة على الصمت أو السكون أو العمل في هدوء. ينفر هذا الطفل من التلوين أو القراءة أو الرسم أو أي عمل يحتاج صبر وتركيز وحرص.
• الرياضة ممارسة الرياضة المنتظمة عدة مرات في الأسبوع تساعد الطفل على تجديد نشاطه وتفريغ طاقته وتحفيز عقله بطريقة إيجابية.
• الفسحة الفسحة بالنسبة للطفل هي الخروج في مكان مفتوح في الطبيعة حيث يمكنه اللعب والجري والانطلاق بدون أي شرط أو قيد. شراء مستلزمات المنزل من السوبر ماركت ليست فسحة والزيارات العائلية ليست فسحة والتدريبات الرياضية ليست فسحة.
في النهاية أود أن أذكركم بحقوق الطفل على لسان الطفل نفسه:
أنا طفل! لم أخلق لأجلس ساكنا بلا حركة؛ أو لأحتفظ بيدي جانبي؛ أو لأتبادل الأدوار أو لأقف في طوابير أو لأصبر أو لأصمت! أحتاج إلى الحركة والتجديد! أحتاج إلى المغامرة! أحتاج إلى التفاعل مع العالم بجسدي كله وحواسي كلها! دعوني ألعب! ثقوا بي ... أنا بالفعل أتعلم!