ازاي تكسر طفل؟
كتابات ماريا مونتيسوري مبهرة في الموضوع دا و أنا هحاول ألخلصها بطريقة مبسطة. ازاي تكسر طفل مش مقصود بيها تكسر عضمه مثلا! لأ! دي بتتكلم عن كسر روحه و كسر نموه و كسر عقله و كسر قلبه و كسر مستقبله.
من الأقوال المأثورة لماريا مونتيسوري أن الطفل هو من يصنع الرجل البالغ و لا يوجد رجل بالغ لم يصنعه الطفل الذي كان يوما. و دا معناه ان الطفل المكسور هيكبر يبقى رجل مكسور و الطفل العنيف هيكبر يبقى رجل عنيف و الطفل الا مبالي هيكبر برده و يبقى رجل لا مبالي.
كسر الطفل ممكن يتعمل بقصد أو بدون قصد؛ ممكن يكون نتيجة اهمال أو نتيجة جهل. مثلا في أم أو أب بعد ولادة الطفل بيتزمروا من وجوده في حياتهم بوعي أو بلا وعي. حياتهم كلها اتغيرت و مش هترجع تاني زي ما كانت. لا النوم هو النوم و لا الصحيان هو الصحيان و لا البيت هو البيت و لا الشغل هو الشغل.
الأهل قدامهم 3 اختيارات في التعامل مع التغيرات اللي بيفرضها الطفل؛ يتطوروا و يتقبلوا المرحلة الجديدة في حياتهم بحب و شغف، يتجاهلوا التغيرات دي و الطفل يا يتأقلم يا يتأقلم، أو يتقبلوا حاجات و يرفضوا حاجات. انا هتكلم عن الاستجابة لمتطلبات الطفل في التدوينة الجاية لكن النهاردة هركز كلامي على ماريا مونتيسوري.
الست دي بتقول أن الطفل اللي بيتولد في بيئة رافضاه بيكبر و يتحول إلى شخص رافض لبيئته و للواقع بتاعه. ممكن ينعزل و ممكن يدمر كتعبير عن كراهيته لبيئة لم ترحب به يوما.
البيئة المرحبة بالطفل هي بيئة ودودة جميلة و حنونة. ماريا ترجمت الكلام دا في نصائح عملية و استشهدت بتصرفات كتير غلط من الأهل.
بيت الطفل لازم يكوم منطقة محررة! يعني مباح و مستباح! يعني آمن! يعني من حقه يدخل كل حجرة و يلمس أي حاجة تلفت نظره و يتحرك بحرية من غير ما يكون مهدد. الكلام دا من سن الولادة! يعني الطفل لما ينام ينام على سرير أو مرتبة عريضة مش عالية و مش ممكن يقع منها. و ماريا مونتيسوري بترفض سرير الطفل أبو قضبان و مساحة محدودة و سرير الأهل العالي و أي مكان وظيفته انه يحد من حركة الطفل دا. و كمان بترفض الاستخدام الدائم للتيتينة أو السكاتة لأنها بتقهر رغبته في التعبير عن نفسه سواء بالبكاء أو الصراخ أو الملاغية و بداية الكلام. نفس الرفض بتوجهه للاستخدام المفرط لكرسي السيارة و البوسيت و أي حاجة الطفل بيقعد فيها مقيد لفترات طويلة بعيد عن الحضن و مش شايف حاجة غير السقف أو الحيطة! بتحذر من صريخ الأهل الدائم في الطفل لأنه مش مسموح له يمسك حاجة على ترابيزة أو يلمس حاجة على الأرض أو الحيطة و بتأكد أن الطفل في الشهور الأولى بيستكشف العالم من خلال حاسة اللمس و التذوق. يعني أي حاجة عايز يعرفها هيعرفها بإيده و صوابعه و لسانه!
ماريا مونتيسوري بتعيب على الأهل و تلومهم على الحجر على حق أطفالهم في الحركة و الاستكشاف و التعلم! الحاجة اللي هتضر الطفل ابعدوها لحد ما يستوعب … الحاجة اللي خايفين تتكسر شيلوها لحد ما يكبر … مش مهم التحف و الغالي و الثمين! اعتبروها فرصة لتغيير ديكور البيت للترحب بأهم فرد فيه … الطفل!
كمان بتلوم الأهل اللي خايفين الطفل يكسر طبق و لا كوباية و هو بيحاول يرفعها! بتقول ان محاولاته لرفع الكوباية مثلا بتنمي عنده مهارات و عضلات أساسية لنموه الجسماني و كمان بتنمي ادراكه للأوزان و للأطول و للأبعاد و لقدراته! دي كلها حاجات ماحدش ممكن يعلمها للطفل و هو لازم يستكشفها بنفسه. تجربة سقوط الأشياء و الكسر و الارتطام كلها تجارب أساسية لنمو الطفل!
اتكلمت كمان عن العداء تجاه الطفل! الطفل اليومين دول دايما مقيد .. مربوط في حاجة .. محجوز جوا حاجة أو ورا حاجة – كلها رسائل للطفل بتقول له انت كائن مدمر و غير مرغوب فيك. يا ترى الطفل دا هيكبر حاسس بإيه تجاه البيئة؟ الخوف! النفور! البرود و اللا مبالاه! هتفتر رغبته في التعلم و الاستكشاف قبل ما يكمل سنتين!
ماريا مونتيسوري أكددت على أهمية الجمال في بيئة الطفل! لكن الجمال مش بمقاييس الكبار! الجمال بالنسبة للطفل يعني النظام و الترتيب، سهولة الحركة و التحرك، الأمان، الألوان، حرية اللمس و التذوق، النظافة و الصيانة الجيدة … الطفل مثلا مش هيحب كتاب مقطع أو كرسي مخلع بيعمل صوت كل ما يتسند عليه.
أكددت كمان على أهمية الطبيعة في نمو الطفل! الشمس و الورود و الشجر و السماء و الرمال و النجيلة و البحر من التجارب الهامة في حياة الطفل من أول أسبوع و الطبيعة بتكبر مع الطفل.
حبس الطفل في البيت بيخلق عنده نوع من أنواع الرهاب تجاه البشر و الطبيعة و الحيوانات. حبس الطفل بيخليه عدواني! حبس الطفل ظلم له و لأهله و لمجتمعه!
أهم نقطة بقى – و دي أكتر نقطة أنا لسة بواجه صعوبة فيها هي الاحترام! احترام الطفل!
يعني لما الواحد يلمس أو يبص أو يكلم طفل في أي عمر – حتى و هو لسة مولود – لازم يتعامل معاه باحترام!
ماريا مونتيسوري و د. سيرز – بس دا هتكلم عنه المرة الجاية – أكدوا ان الحب مش كفاية! الاهل بيحبوا الطفل لكن بيضربوه و يزعقوا له و يجرحوا مشاعره و يهينوه بينهم و بينه و قدام الناس … كل دا تحت مسمى الحب و الخوف على مصلحته!
الكلام دا كلام فاضي! عامل الطفل باحترام علشان هو انسان محترم!
اغلب الوقت النرفزة و الزعيق و الضرب بيكونوا تعبير عن تعب الأهل و احباطاتهم الشخصية! الموضوع مالهوش صلة بمصلحة الطفل!
ماريا مونتيسوري قسمت النصيحة لشقين؛ التعامل مع الغضب الداخلي بتاع الأهل و التعامل مع توجيه الطفل.
اللي يقرا كلامي دا يتخيل ان ماريا مونتيسوري دي شخصية متسيبة و بتدعوا لافساد الطفل. لكن العكس هو الصحيح! الست دي متزمتة جدا لكن كله بالأدب!
الأول غضب الأهل. الغضب الجارف مش بيحصل فجأة! يعني مش فجأة و انا حاضنة آدم و سمن على عسل أروح مزعقة أو ضرباه! الغضب متراكم و له علامات. الغضب ممكن يكون لأن انا مثلا عايزة استحمى بقالي 3 أيام و مش عارفة! أو عايزة اخلص شغل و متأخرة و مش لاحقة! أو البيت مكركب و أنا متوترة! أو مش عارفة اطبخ أو طبخت و الأكل اتحرق أو أصحابي وحشوني أو عمالة أفوت عيد ميلاد ورا عيد ميلاد علشان آدم صغير و هيكون عايز ينام و المكان هيبقى دوشة و دخان و كدة!
كل دي احباطات واجهتني أنا شخصيا مع آدم. و من علامات الغضب المكبوت اللي ظهرت عليا و ماريا كتبتها اني بقيت بعند عليه او مش عايزة ألعب معاه أو مش طايقة صوته بالذات لو زن و خلقي ضاق و مافيش حيل للمناهدة.
الحل هو المساعدة! طلب المساعدة من بدري قبل ما الغضب يتراكم و ينفجر! المساعدة دي بتختلف بقى من شخصية للتانية. أنا بالنسبة لي موضوع ناني أو دادة مرفوض! موضوع حضانة مش قبل على الأقل 3 سنين! انا مش هعاقبه و ارميه لحد لأني مش مستحملاه! عملت إيه؟ أولا جبت له قطة! طول النهار يجروا ورا بعض و يلعبوا كرة و بخ و همهم و كل الألعاب اللي آدم بيحبها! و آدم اتعلم الحنيه و الطبطبة و حب الحيوانات.
ثانيا الأهل و الأقارب. على الأقل مرة أو مرتين في الأسبوع يوم عائلي! كدة آدم هيحس بحب و اهتمام و انا هرتاح شوية.
ثالثا حلول بديلة. يعني و هو لسة في أول كام شهر أنا فعلا نسيت شكل اللاب توب و دا كان موترني جدا! جبت بلاكبيري و بقيت باتعامل مع أي حاجة عاجلة من خلاله في أي وقت و أي مكان. الطبيخ في الأول قبل ما آدم يعرف يقعد بقى بالليل و لما اتعلم يقعد بقى معايا على طول في المطبخ و دي تحولت إلى عادة جميلة جدا بينا دلوقتي. التنضيف أو الترتيب أو سقي الزرع … في الأول و أنا لابساه في البؤجة – الموبي راب – و بعدين هو بقى بيساعد في كل حاجة حتى لو دلق مياة و بوظ حاجة – كلها بقت مواقف تضحك و كله بيتصلح و بيتلم و بيتمسح و كدة يعنى. من الأخر كل حاجة أخدت حجمها الطبيعي و الدنيا ماطارتش.
رابعا الهروب إلى الطبيعة! النادي ملاذ هايل طول الشتا و اللف في المولات – مش بهدف الشرا لكن بهدف اللف – و حديثا الرحلات إلى مزرعة الصراط في طري سقارة .. و لسة!
أما بقى توجيه و تهذيب الطفل باحترام بيكون على حسب سنه لكن من الأول خالص خالص لازم الكلام و الشرح و التواصل اللغوي. ما تقولش ايش فهمه دا لسة صغير في أي سن! حتى قبل ما الطفل يدرك الكلمات و الجمل هو بيكون مدرك تماما للغة الجسد و نبرة الصوت! و مش المقصود بنبرة الصوت ارتفاعها أو حدتها لكن المقصود جديتها! الطفل بيميز لو كنت بتهزر و لا لأ. و الشرح … ليه لأ! و تبقى باصص له علشان يعرف لغة جسدك و انت جاد!
أنا زودت عليها بقى اني أكون حضناه أو ماسكة إيده علشان يعرف اني بحبه!
آدم طفل حساس جدا! جدا بزيادة يعني! و أي تغيير في تعبيرات وشي بيخليه يعيط! يعني مرة بدل ما أزعق عملت شلضوم .. وش حزين! اتفاجئت بسيل من الدموع و الشحتفة مرعب! علشان كدة لما بكون عايزة اشرحله لأ ليه على الكبس و لا السلك و لا الضلفة اللي ممكن تقع عليه لأنها مش متركبة كويس بيكون الكلام و هو في حضني و بالشرح و ضرب الأمثلة. طبعا بزعق في الكوارث … ماشيين في النادى لقى زجاج مكسور أو منديل مرمي على الأرض و قرر يمسكه علشان يرميه في الزبالة! هو صح لكن الناس مقرفة! في ساعتها بالحقه بصرخة مميزة و بعدها باشرح له ليه لأ! المواقف كتير و الواحد أعصابه باظت!
ماريا مونتيسوري كمان ضربت بكل وسائل الثواب و العقاب عرض الحائط و قالت أن كل دي اساليب دخيلة على فطرة الطفل و بتؤدي إلى اتلافه؛ بتخلق شخص أناني بتحركه الغرائز و الماديات. هي قالت أن من الأول خالص مافيش عقاب أكتر من ان الطفل يحس ان كان له هدف و ما اتحققش و ما فيش ثواب أكتر من أن الطفل يشعر بالفخر لأنه نجح في تحقيق هدفه.
الحلوى و الحلويات من السموم اللي بتأدي إلى صناعة كائن بيتحرك بس لما تتعلق له الجزرة بدل ما يكون انسان بتحركه احلامه أو طموحاته الشخصية! ادمان الثواب بيفقد كل حاجة معناها!
"انت هتاكل علشان نفسك و هتطلع السلم علشان نفسك و هتذاكر علشان نفسك و هتعمل الصح اللي انت شايفه صح … انت انسان محترم و مسؤول!"
هي دي الرسالة اللي لازم الطفل يتربى عليها! الحافز من داخل الطفل نفسه و ضربت مثل الكاتب المبدع … هو مش بيكتب علشان الناس تنبهر … هو بيكتب لأنه محتاج يكتب و نجاحه هو رضائه عن انتاجه مش ضوضاء المهللين! آه و الله قالت كدة!
You must be logged in to post a comment.