مروة رخا تكتب للحب ثقافة: قصة متكررة: علاقتي بثديي
كنت أظن أنها قصتي وحدي وأن علاقتي بثديي علاقة فريدة من نوعها، حتى بُحت بأفكاري لعدة صديقات في مناسبات مختلفة. عندها اكتشفت أنها قصة كل فتاة وامرأة.
أتذكرني وأنا طفلة تتابع أمها بنظرات الفضول والغبطة؛ أريد أن أصبح مثلها! أريد أن أكبر ويصير لي جسد مثل جسدها. كنت أراني، في أوقات، أشبه “البرص”، وفي أوقاتٍ أخرى، كنت أعتقد أني دُبة.
كنت أراقب نساء عائلتي وأقارن في صمت بين ثديي كل منهن. كنت أفاضل بينهن وكأنني أختار “ثدي الأحلام” لنفسي.
في يومٍ ما، حدثتني أمي عن الدورة الشهرية بكل اختصار:
“ما تتخضيش لو لقيتي دم في الكيلوت! دا طبيعي. أبقي حطي دي وغيريها لما تتوسخ”.
لم أفهم أهمية الحدث ولا تأثيره عليّ. انتظرت! لم يحدث شيء! بعد عام وجدت نقاط الدم إياها. صارعت وحدي الفوط الصحية وأخطاء الاستخدام وفضائح التوقيت. كانت دورتي الشهرية غير منتظمة وغير متوقعة.
لا أتذكر بداية بروز ثديي ولكني أذكر أول مرة شعرت بالخجل من وجودهما. كنت بزيارة جدتي أم أمي. كان تجمع عائلي كبير. عند الوداع، سلم عليّ أحد أزواج خالاتي ونظر إلىّ وقال: “كبرتي يا مروة!”
كانت كلماته طيبة ولم تحمل نظراته الخبث، ولكني شعرت بالخجل! بدأت أطالب أمي بشراء “سوتيان”.
كنت أسير محنية إلى حدٍ ما. كنت أتجنب الحركة والجري والهزهزة. كنت أشعر أن على صدري جبل وأن الكل يرون الجبل ويضحكون. لم أشعر بالزهو أو الفخر كما كنت أتوقع! بعد الخجل، شعرت بالقيد. هذان الشيئان يقيدان حركتي.
بدأت رحلتي مع حمالات الصدر مبكرة للغاية. لم أكن أريد سوى إخفاء البروز إياها.
مع بداية العام الدراسي، فوجئت بأن كل زميلاتي أصابهن ما أصابني ولكن بدرجات متفاوتة. بدأت أقارن بين جبالي وجبالهن، واكتشفت أن جبالي تشبه التلال. بدأت أقارن بين أحجام الفاكهة في ثلاجتنا؛ المانجا الشهية والليمون اللاذع.
في يومٍ من الأيام، زارتني إحدى زميلات الدراسة في الصيف. كنت أرتدي ملابس البيت وأتحرك بطبيعتي. فجأة قالت لي: “أنت صدرك صغير كدة ليه؟ هو أنتِ لسة ما بلغتيش؟”
ثم أشارت إلى ثدييها وجسمت عليها بلوزتها وتباهت بجبالها وفاكهة المانجا المعلقة في حمالة صدرها.
بكيت بشدة بعد انصراف زميلتي. طلبت من أمي أن أستعير “البرا” بتاعها. كان أكبر وخامته أقوى وله شكل جميل حتى بدون وجود ثدي ما بداخله.
شعرت أمي بمعاناتي ووافقت. بدأت أرتدي “البرا” المجسم بكل فخر، وكأن مرحلة الخجل من الثديين انتهت وولت، بدأت أقيم ظهري وأفتخر بأكواب الجيلي تحت ملابسي.
مرت سنوات الدراسة المدرسية بسلام. بدأت مرحلة الجامعة وبدأت أشارك صديقاتي في طقس “حفلات البنات”. كنا نرتدي ملابس ضيقة وقصيرة، كنا نذهب للكوافيرة ونفرد شعورنا، وكنا نرقص على أغاني أحدث شرائط الكاسيت.
في إحدى الحفلات، كنت أرقص أمام إحدى صديقاتي واختل توازني، كدت أسقط عليها فصدتني بكوعها. خبط كوعها في الثدي الأيسر. صرخت “غادة” في ذعر حقيقي:
“يا لهوي! صدرك اتطبق!”
شعرت “غادة” بالفراغ الذي أخفيه خلف حمالة صدر أمي. توقفت الموسيقى. توقفت كل الصديقات عن الرقص وأتين للاطمئنان على “صدري المتطبق.” أدخلت يدي من تحت “التوب” الضيق، ثم من تحت “البرا” الكبير، وعدلت القالب المعووج. عاد شكل ثديي تحت الملابس كما كان. انتهت الحفلة.
فقدت الثقة في نفسي. شعرت بالنقمة على شكلي وجسمي. شعرت أنني معيوبة وأنني لست جذابة.
كلما تقدم لي عريس في هذه الفترة، شعرت أنني أريد أن أعترف له بالمأساة التي سيكتشفها.
انتهت المرحلة الجامعية وبدأت أخطو أولى خطواتي في الشركات والمؤسسات. أنظر إلى زميلاتي و”نعمة ربنا عليهن” وأرثو حالي في صمت. في إحدى الوظائف، كانت مديرتي تكبرني بعقد كامل وكانت لي زميلة أكبر مني ببضعة سنوات، بدأ حوار عام عن الحب والرجال، وانتهى بحديث حميم جداً عن الجسد.
كانت أول مرة أتحدث عن أزمتي مع ثديي. ضحكت مديرتي واتهمتني بالهبل؛ عددت محاسن الثدي الصغير وكيف أنه سيتيح لي ارتداء ملابس كثيرة، وأنه أكثر إغراءً، وأنه يعطي المرأة عمراً أقل من عمرها، وأنني لن أعرف قيمته إلا بعد الثلاثين أو الخامسة والثلاثين.
أما زميلتي، كانت تعاني من عكس مشكلتي، لدرجة أنها كانت تفكر في إجراء جراحة لتصغير حجم الثدي، وأن خطيبها كان يشجعها لأنهم “بيضايقوه”. شكت زميلتي من الثقل الجاثم على صدرها أثناء النوم، وشكلهما غير المحبب بدون حمالة صدر، والاحمرار والالتهابات بسبب الاحتكاك والحر والعرق.
لم أقتنع بكلام أي منهن واستثمرت ثروة طائلة في حمالات صدر مستوردة تصنع من “الفسيخ شربات” وتحقق معجزة تحويل الليمون إلى مانجا.
علاقتي بثديي لم تتأثر إيجابياً بأي مجاملات أو كلام “حلو” عنهما. مهما سمعت من تعليقات “لطيفة”، بقي تعليق زميلة المدرسة وموقف الحفل الراقص في ذاكرتي وعقلي هما الأقوى تأثيراً.
بدأت العقد الثالث من عمري وما زلت أستثمر في “حمالة الصدر المستوردة صانعة المعجزات”. ثم بدأت المعجزة الحقيقية تتحقق. بدأت أحب نفسي وأفهمها وأقدرها، وبدأت أحنو عليها وأحتويها. لم أعد قاسية علىّ.
شعرت أنني جميلة كما أنا وتقبلت الماضي كله – الضعف والشك والمخاوف. كانت مديرتي على حق! كم هي جميلة مرحلة الثلاثينيات! بدأت أعرف السلام الداخلي على فترات متقطعة وبدأت أؤمن بنفسي وقدراتي ومواهبي ومهاراتي.
كذلك، لم أعد ناقمة على أي شيء في جسدي. تقبلتني وأحببتني من كل قلبي.
في يوم من أيام الشتاء، كنت في عجلة من أمري، ونسيت ارتداء “حمالة الصدر السحرية”، وخرجت. لم يحدث شيء! لم يظهر شيء! لم يعرف أحد أنني بلا حمالة صدر. من ناحيتي، شعرت براحة نفسية شديدة – قمة التصالح مع الذات. أصبح هجر “السوتيان” من طقوس الشتاء.
في يوم من أيام الصيف، كنت أقود سيارتي وكان التكييف معطلاً. كان الحر شديداً والرطوبة مؤلمةً، وكنت أشعر بالضيق من حمالة الصدر الخانقة وخامتها التي تحتك بجلدي فتسبب التهابات مزعجة. بدون تفكير، وجدتني أمد يدي تحت ملابسي وأخلع الحمالات عن القوالب، ثم فككتها من الخلف وجذبتها لأسفل خارج ملابسي. رميتها بعيداً عني وسقطت على المقعد الخلفي.
الأمر لا يتعلق بارتداء حمالة صدر أم لا!
الموضوع بالنسبة لي ثأر شخصي مع قواعد الجمال التي يفرضها المجتمع على الناس وأحكام الفتيات على بعضهن واستعادة الثقة بالنفس بعد سنوات من التخبط بسبب فقر تقدير الذات.
تمر السنوات، وباقترابي من نهاية العقد الثالث من عمري، تدب الحياة في رحمي لتعلن عن مرحلة جديدة في علاقتي بثديي. لأول مرة أشعر أن الأمر لم يعد متعلقاً بي، وأن ظهور عروق خضراءً على ثديي تعلن عن درجة أعمق من الحب وتقبل الذات.
هذان الثديان، اللذان نالا مني أسوأ معاملة منذ بلوغي وحتى منتصف الثلاثينيات من عمري، أرضعا طفلي “الحب السائل” في أروع وأنقى صوره لمدة ثلاثة أعوام كاملة – حتى فطم نفسه بنفسه. كانا الأمان والحب والمسكن من الألم بالنسبة له.
يحدثني ابني اليوم عن ذكريات الرضاعة بكل حب وامتنان. أتذكر أنا هذه السنوات الثلاث وأشعر بالفخر والرضاء.
حولت الأمومة علاقتي بثديي إلى حب الآخر الضعيف المحتاج المتمثل في طفلي المختبئ في حضني – مهما كبر.
بدأت العقد الرابع من عمري، وأوشك أن ينتصف، وبدأت أتابع صديقاتي وهن يخضن حرباً غير عادلة ضد سرطان الثدي. أراهن يفقدن أجزاءً من تاريخهن الشخصي وأنوثتهن وذكريات أمومتهن، ويصارعن الألم والخوف والفقد.
أراقبهن في صمت. أحاول أن أقدم كلمات الدعم. أتمنى لو استطعت التخفيف عنهن. لكن نبتت بداخلي بذرة خوف جديدة تُقلق منامي وتشعرني بقلة الحيلة.
أنا حقاً لا أملك من أمري شيئاً.
أتحسس صدري كل شهر وأتمنى ألا أجد جديداً من أي نوع. أنظر في المرآة وأتمنى ألا أرى أي احمرار أو بروز أو هبوط أو انسحاق من أي شكل.
لا أريد أن تنتهي رحلتي مع ثديي هذه النهاية المؤلمة الحزينة. لقد خضنا سوياً معاركنا الصغيرة وواجهنا الصراعات المجتمعية وتذوقنا عذوبة الأمومة وأنهار لَبَنها. أفخر بقوتهما رغم هشاشتهما. أشكر لهما عدم الخذلان وأدعو لهما بوافر الصحة والسلامة.