مروة رخا تكتب للحب ثقافة: سرطان الثدي: عن الدعم أتحدث كيف يمكننا تقديم الدعم لعزيز يحارب السرطان؟ ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟ كيف لا نجرحه/ها؟
كانت “حنان كمال” صديقة افتراضية على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي. لم أعرفها ولم أعرف عن حياتها شيء إلى أن قرر الموقع إظهار صورة لها وأنا أتصفح الموقع. كانت صورة تختلف عن أي صورة رأيتها في حياتي؛ امرأة تضع أحمر شفاه ورسمت عينيها بكحل ملكات الفراعنة وارتدت ابتسامة مشرقة أظهرت بياض أسنانها.
كانت بلا شعر … بلا شعر تماماً!
توقفت كثيراً عند الصورة وقررت أن أتعرف على صاحبتها أكثر. قرأت أسطر عديدة قصيرة خفيفة ثقيلة تحكي فيها “حنان” عن حادث زوجها وكيف أثر على قدراته ومهاراته الحركية والعقلية، عن “نور” و”حمزة” و”سارة” وحبها لهم وحبهم لها، عن أملها الكبير في عودة زوجها من عالمه الخاص، وأخيراً عن السرطان. سردت صديقتي قصتها منذ اكتشافها للسرطان ورحلتها مع الطب والأطباء وتلقيها للعلاج. تابعتها بشغف في صمت ودعوت لها كثيراً عن ظهر غيب بالشفاء والقوة والصبر. لم تكن كتابات “حنان” كأي كتابات قرأتها؛ لم تدّع البطولة. لم ترتد رداء اليأس. لم تختبئ خلف حجاب أو نقاب عقلي أو روحي أو جسدي. مع الوقت، تعرفت على أيام جلساتها وعلى صديقاتها وعلى مخاوفها وأحلامها وكوابيسها. كتبت عن الأمل والألم، والحب والخذلان، والحياة والموت. لم تكتب “حنان” أبداً عن الدعم سوى من خلال مواقف “الجدعنة” من الصديقات. ترددت كثيراً في طلب الحوار معها. لم أكن أريد أن أرهقها أو أثقل عليها. خفت أن “أقلب عليها المواجع” أو أن أتفوه بكلمة قد تؤلمها. استجمعت شجاعتي وراسلتها. سألتها:
كيف يمكننا تقديم الدعم لعزيز يحارب السرطان؟ ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟ كيف لا نجرحه/ها؟
أثبتت لي “حنان” أنني كنت مخطئة تماماً في تصوري عن الدعم المطلوب لرجل أو امرأة اكتشفوا الإصابة بالسرطان، وفي أي مرحلة من مراحل العلاج. كنت أتخيل أن الدعم هو:
-
تركهم يستريحون
-
عدم الخروج
-
عدم إزعاجهم بالقصص والحكايات اليومية
-
مراقبة نظامهم الغذائي
-
الدخول في تفاصيل العلاج وزيارات الطبيب
-
عدم إرهاقهم بالأنشطة
كنتُ مخطئةً في كل ما سبق! كل ما سبق!
أول ما قالته “حنان” عن الدعم هو:
“لا تبعدوهم عن الحياة! ادفعوهم دفعاً تجاهها وبداخلها!”
حدثتني صديقتي عن “فستان أحمر” ساعدها في الانتصار في جولتها الأولى. اشتهت الفستان وتمنت شراءه وارتداءه. تحملت وصبرت وواظبت على ممارسة الرياضة واتبعت حمية غذائية صحية حتى أصبح الفستان يليق بها!
حكت لي عن حبها للكتب والقراءة وكيف يدعمها الأصدقاء بمختارات منتقاة من القصص والروايات التي تدخل البهجة والسرور إلى قلبها.
أما الجلسات، فهي ليست فرصة “للدراما والبكائيات والصعبانيات”. تعيش اليوم مع صديقاتها وبناتها، وأحياناً ابنها، وكأنها رحلة أو مغامرة. يخرجون ويضحكون ويتندرون وتتلقى العلاج الحقيقي لمرضها – الضحك!
“السرطان مرض تافه! كأنه دور برد صعب! طال أو قصر – هو دور برد!”
هكذا وصفت “حنان” مرضها وتعاملها معه. أسوأ ما يمكن أن تقدمه لمريض السرطان هو “الدراما”.
من ناحية أخرى، أكدت “حنان” أن عزل مريض/ة السرطان عن الحياة مضر جداً. تستمتع “حنة”، كما يدعوها المقربون، بالخروج والفسح والتنزه و”اللف عالمحلات”. تمر عليها صديقة مقربة وتُخرجها من جو المنزل والمرض والعلاج. تراعي قدرتها على المشي وحاجتها للراحة ولكنها تقدم لها فرصة للسعادة.
ليس من الدعم في شيء الدخول في تفاصيل المرض وبروتوكول العلاج والجلسات والأدوية.
هذا النوع من الفضول مرهق جداً ومؤذ للغاية، وكأن وجود هذا الشخص اقتصر على المرض واختزل في العلاج.
“ارتحت لطبيب ما وأسلمت نفسي لعلاجه وبعمل اللي بيقول عليه. هي دي علاقتي بتفاصيل المرض”.
مدفوعون بحسن النية والرغبة في المساعدة، نقدم الكثير من النصائح والمعلومات والروابط الإلكترونية عن أحدث تقنيات العلاج أو الطعام أو الرياضة، لمريض/ة السرطان. هذا ليس دعماً. قالت “حنان” أنها تفضل الحديث عن أمور الحياة اليومية ومدارس الولاد ومناهج التعليم والزحمة والحب والعلاقات عن الجري وراء السراب.
أغلب النصائح هي تعرفها بالفعل وأحدث التقنيات غير متاحة بعد وهي أدرى بقدرتها على ممارسة رياضة ما أو حاجتها لتناول طعام ما – داخل أو خارج قائمة الممنوعات.
“مش أكلة نفسي فيها اللي هتموتني”.
سألتها عن بعض التعليقات التي تحثها على الحجاب، فقالت إن هؤلاء الأشخاص يقحمون أنفسهم فيما لا يخصهم. ليس لمخلوق أن يتدخل في علاقة الإنسان بربه. الدين هو علاقة روحانية بالأساس وليس طقوساً أو مظاهر يقدمها المريض قرباناً للرب ليعفو عنه.
تقول “حنان”: “لقد وجدت المدد والحب الإلهي بطريقتي. يعرف المقربون مني ما أحب. هناك من يدعو لي في الكعبة وهناك من يشعل لي شمعة على المذبح وهناك من يطلب لي شفاعة آل البيت”.
ليس من الدعم في شيء “تخويف” المريض وإرهابه باسم الدين.
مثلما ساعدها “الفستان الأحمر” في الانتصار، تحلم “حنان” بفرح ابنتها “سارة”، أخر العنقود. تتحمل الألم والمعاناة لتصل بأبنائها إلى بر الأمان.
تدعمها “نور”، أول فرحتها، بالنكات وحكايات تفاصيل يومها وبالمساعدة في أعمال المنزل. تخفف عنها الألم والحرارة ونوبات الحزن.
“أحياناً لا يمكنني حتى إحضار كوب ماء لنفسي”.
الدعم الملموس والمساعدة على قضاء أبسط الأمور اليومية يكون مطلوب في أوقات كثيرة. هناك من يطلبه مباشرةً وهناك من يتوقعه على استحياء – في كل الحالات، لا تفرضه إذا كان الشخص قادر على خدمة نفسه.
أحياناً، بهدف الدعم، يسفه الآخر من الألم أو الضعف، قد يضعون مريض/ة السرطان في قالب بطولي ويطالبونه بتحمل ما يفوق قدراته. قد يصل الأمر إلى لومه.
“دي شكة إبرة!” أو “بلاش دلع!” أو “يالا يا بطلة!” أو “ما تزعلنيش منك!” – عبارات هدفها الدعم ولكنها لا تراعي واقع المحارب/ة. من حقهم الألم والخوف والبكاء ومن واجبك تقبل لحظات الضعف تلك.
كتبت “حنان” مرة عن خوفها من “شكة الإبرة” وبكائها وعدم قدرتها على احتمال أي ألم. لا تنكر عليها إحساسها!
“حسيت أن الأموات حالهم أفضل مني وأنا صاحية.”
هكذا وصفت “حنان” مشاعرها بعد جلسة العلاج. الدعم الذي تحتاجه هو الضحك والخروج والحضن الصادق والفرح والبهجة والعمل والفسح. هذا هو شكل الدعم الذي تقدمه لها الصديقات باستمرار.
الخلاصة:
- ادخلوهم في الحياة وتفاصيلها
- الحديث عن المستقبل والهدف من الحياة
- الخروج والفسح وتغيير الجو والمكان
- مشاركتهم القصص والحكايات اليومية
- عدم التحول إلى شاويش الطعام
- عدم الدخول في تفاصيل العلاج وزيارات الطبيب
- تشجيعهم على ممارسة الأنشطة المختلفة والرياضة
- الضحك وتبادل النكات والذكريات وخلق جو من البهجة
- تقديم الدعم الجسدي عند الحاجة
- عدم التسفيه من الألم والخوف والضعف
- لا للبكائيات والدراما
- لا للنصائح ما لم تطلب
- الدين أمر خاص
- السرطان دور برد رزل