مقال لم أكتبه عن وقائع حب جديد … لم أشهده
نظرت إلىّ مليا ثم نظرت للسماء وقالت بنبرة فيها الكثيرمن الحزن ولكنها لا تخلو من الوضوح والقوة
"ملعون انت من يوم مولدك وحتى مماتك".
إهتزت أسلاك الزينات الكهربائية الممددة فوقنا فغطت وجهها الأبيض انوارا زرقاء وخضراء وصفراء إنعكست على عيناها الخضراوتين فزادتهما لمعانا وشفافية وغموضا. إنحنت الأضواء لترسم هالة من نار حول شعرها الأحمر.
أدارت لى وجهها ثانية وامسكت بقطتها السوداء فى حنان…إزدادت عيناها لمعانا مع تواصل رقص الأضواء على وجهها و قالت:
"سوف تستمتع بالحياة وتعيشها أكثر من أى منا ..ولكنك لن تجد ابدا ما تبحث عنه…كتب عليك العذاب مثلما كتبت على قلبك الطعنات طعنة وراء أخرى."
نظرت لى قطتها بعينان زرقاوتان فى فضول قطعته انامل صاحبتها وهى تداعبها قائلة
"ليس لك من مهرب سوى ان ترضى بإمرأة تحبها اكثر مما تحبك. ولكنك لن تفعل هذا لأنك لا تستعذب الألم الذى تعيشه. لسوف تستمر فى المخاطرة بقلبك رغم علمك بقسوة الطعنات التى تتلقاها".
ماءت القطة بصوت ضعيف ونظرت لى ثانية بنفس الفضول كأنها تنتظر إجابتى. تراقصت الأضواء على عينا القطة فهربت منها الى عينا صاحبتها. وجدت إمرأة اخرى غير التى عرفتها. تبدلت ملامح التمرد والمواجهة بأنوثة آسرة تبدلت النظرة المتقدة ذكاء وتحفز بنظرة حانية تشى بمعان خفت ان احاول تفسيرها.
هربت إلى السماء ونظرت حيثما نظرت حين بدأت حديثها:
"أعرف..انك على حق.. ولكنى لن أرضى بغير هذا لأنى لا اعرف طريقة للحب غيرهذه الطريقة..لا اعرف حبا آخر."
تركت القطة السوداء تنسل من بين يديها على الأريكة لتبدأ فى التغلب على حذرها وإستكشاف الغريب الذى يحادث صاحبتها. نظرت لى وابتسمت فى حنان داعب قلبى فسألتها محاولا الهرب منها
"ماذا عنك؟ ماذا حدث لك؟".
تنهدت بعمق ورفعت رأسها وفردت قامتها ونظرت للسماء ثانية تاركة الأضواء المتراقصة تضفى علي ملامحها مزيدا من الجمال والغموض وإن إنطفأ بريق عينيها بعض الشيء.
حدثتنى عن خيبة الأمل فى الحبيب، عن غيرتها عليه حتى الآن، عن المرأة الأخرى التى ظهرت بعد الإنفصال، عن فشلها فى التغلب على المسافات الشاسعة التى كانت تفصل بينهما، عن التفاصيل الدقيقة التى يؤلمها تذكرها، عن إحساسها بالهزيمة وشعورها بالضياع، عن فقدانها لثقتها بنفسها، عن إحساسها بالضعف. حدثتنى عن الفتاة المتمردة التى لم تعد قادرة رغم نجاحاتها على ان تجد لنفسها مكانا فى هذا العالم. لم تبك ولكنها لم تحاول مداراة ضعفها.
تعلقت عيناى بعيناها وسرت رجفة فى أعماقى. انتابنى شعور جارف بالإنجذاب اليها ولكنى قاومت.
"انت جريح..انه مجرد حنان والفة بين صديقين قديمين..انت جريح..لا تسيء تفسير الأشياء فتفقدها…انت جريح..لن تستطيع تحمل جرح آخر."
تنبهنا على القطة وهى تتمسح بساقى. إبتسمت صاحبتها إبتسامة عريضة وقالت لى بفرح
"أنظر لقد جاءت إليك".
قالتها وكأنها كانت تنتظر ان تألفنى قطتها السوداء وإكتست ملامحها بالفرح وهى تراقب قطتها تنسل من تحت إبطى وتتسلل نحو قدمى. ماءت القطة ثانية وقفزت فى أحضان صاحبتها التى أخذت تداعبها بحنان اكثر مما قبل. لم ارها من قبل بهذه الأنوثة الطاغية لم ار فيها كل هذا الحنان وكل هذه السعادة فى العطاء.
لم ارها من قبل بهذا الجمال.
قلت لها وقلبى تعلو دقاته
"لم ارك على هذا النحو من قبل".
إكتسى وجهها بإبتسامة خفيفة وخجولة لم تحتاج معها لأن ترد.
قلت لها
"ان الإحساس بالضياع امر معتاد عندما ننتهى من مرحلة ونبدأ مرحلة أخرى ودور البنت التمردة ينتهى بمجرد ان تحقق أهدافها لتبدأ مرحلة جديدة كإمرأة. فهناك إنتصار آخر ينتظرك لتحققيه ومكان جديد فى هذا العالم يجب عليك ان تحققيه كإمرأة مثلما حققتى أحلام الصبا. ليست هذه نهاية الطريق بل انها بداية لرحلة جديدة ونجاح جديد."
نظرت لى بإندهاش وسعادة وإتسعت عيناها رسمت شفتاها ابتسامة لم أرى اعذب منها وقالت
"انك على حق".
هزت الريح سلك الزينة ثانية لتبدأ الأضواء رقصة اخرى وكأنها تستجيب لإبتسامتها فتزيدها عذوبة…إرتسمت هالة النار ثانية حول شعرها الأحمر المسترسل …عادت القطة لتتمسح بى ..غالبت خوفى وخجلى و قلت
"ممكن تحضننينى؟"
You must be logged in to post a comment.