سلسلة مقالات #مونتيسوري_مصر
تكتبها مروة رخا – حاصلة على شهادة المونتيسوري للأطفال حتى ثلاث سنوات وشهادة المونتيسوري للطفولة المبكرة حتى 6 سنوات وشهادة مرحلة الابتدائية من 6-9 ومن 9-12 من مركز أمريكا الشمالية للمونتيسوري (North American Montessori Center)
المقال الـ 105
مروة رخا تكتب لمصر العربية: اكتئاب أطفال والمدرسة
لماذا أضربت عن الكلام في عمر 8 سنوات؟
لقد تميزت ماريا مونتيسوري عن غيرها بأنها كانت دائما تضع نفسها مكان الطفل وكانت دائما تتطلب من الطفل أن يعلمها ويوجهها ولهذا نجد أن نهجها يحترم الطفل وقدراته وتوجهاته وخطوات تقديم أي نشاط من أنشطة المونتيسوري تقدم ببطء ويقسم أي عمل إلى خطوات صغيرة يتدرب الطفل عليها واحدة تلو الأخرى ويستخدم الطفل أدوات حقيقية ولكنها مناسبة لحجم جسده وقوته وطول يديه وأصابعه. هذا هو سبب حبي الشديد لنهج المونتيسوري وسبب إضرابي عن الكلام عندما كنت في الثامنة من عمري.
كنت في الصف الثالث الابتدائي وتمنيت أن تنتهي حياتي أو أن تنتهي المدرسة أو أن يحدث أي شيء ينهي دوامة البؤس والشقاء. أستيقظ في السادسة والنصف حتى أنزل من البيت في السابعة وربع وأكون في المدرسة في السابعة والنصف لأبدأ معاناة تستمر حتى الثالثة. كل خمس وأربعون دقيقة تدخل معلمة مختلفة ويتناوبون في التلقين وطرح الأسئلة والتسميع ونجلس نحن الأطفال في صفوفنا ننقل ونكتب ونتصبب عرقا.
كنت أكره حقيبتي السوداء الجلدية المنتفخة بالكتب والكراريس … تسببت هذه الحقيبة في اعوجاج عمودي الفقري وأصبحت كشجرة مائلة لليمين. كنت أكره كتبي جميعها لأنها لا تمثل أي أهمية بالنسبة لي – كله حفظ. كرهت كذلك كراساتي وخطي القبيح والعلامات الحمراء على الصفحات.
كنت تعيسة إلى حد التزوير! لقد زورت قطع الإملاء المنزلي فبدلا من أن أجلس لكتابة قطعة يمليها علي أبي أو أمي قررت تأليف قطعة وأسميتها “الهروب” ولم استخدم أي كلمات لا أعرفها ثم زورت إمضاء أمي عليها! انكشف أمري وتمت معاقبتي دون النظر إلى محتوى أول عمل أدبي لي ودون محاولة فهم دوافعي … ماذا يدفع طفلة هادئة مثلي للتزوير. ثم كررت فعلتي مرة أخرى عندما زورت درجة اللغة العربية ودرجة الرياضيات في شهادة الشهر وفي شهر أخر زورت إمضاء أبي.
كنت أقضي أمسياتي كلها في المنزل على مكتبي. على يميني تل الكراسات والكتب المطلوب مني استذكارها وعلى يساري بقعة فارغة لأضع ما انتهيت منه وأمامي الواجب الثقيل المزعج المبهم القبيح!
لم يعد هناك وقت للعب أو للنادي أو لأي نشاط من أي نوع! التهمت المدرسة حياتي كطفلة ولم أجد مخرج سوى الإضراب عن الكلام! قررت مقاطعة حياتي بمن فيها بهذا القرار اليائس تعبيرا عن اعتراضي واستيائي!
لم ينتبه لي أحد!
ما دمت أذهب إلى المدرسة وأجلس إلى واجباتي ولا يشكو من أخلاقي أحد فلأصمت دهرا إن شئت!
فجأة وجدت أمي تزيل السجاجيد وتخلي الدواليب من محتوياتها وتفرش الملايات على الكراسي والأرائك. لم أفهم ولم أقطع إضرابي ولكني بدأت استرق السمع وأراقب جيدا ما يحدث حولي. سمعت كلام عن مدرسة أخرى وعن بلد أخر وعن ركوب طائرة! خفت … ولكني استمريت في إضرابي الذي لم ينتبه له أحد.
وفي يوم من الأيام استيقظنا جميعا وارتدينا ملابسنا الشتوية وتركنا المنزل ولم نعد إليه إلا بعد تسعة أشهر! تسعة أشهر سعيدة جميلة في ولاية فلوريدا بأمريكا. أتذكر بكائي بشدة عندما أرادت أمي أن أرتدي زي مدرستي في مصر وأنا ذاهبة إلى مدرستي الجديدة أول يوم. قالت لي “لن يعرف أحد!”
التحقت بالصف الثالث الابتدائي تماما مثلما كنت في مصر ولكن شتان الفرق بين المدرستين شكلا وموضوعا! لا يوجد حفظ مباشر لأي شيء! جدول الضرب مثلا وباقي العمليات الحسابية كنا نتعلمها في شكل ألعاب وأنشطة ومسابقات وكان يوجد في الفصل “كانتين” وهمي وكنا نمثل دور البائع والمشتري أغلب مدة حصة الرياضيات. أما العلوم، فكانت كلها تجارب حقيقية ورحلات ميدانية لجمع عينات من أوراق الأشجار والتربة والحشرات. المواد الاجتماعية كانت تقدم لنا على شكل قصص وأفلام وثائقية ومناقشات مفتوحة.
أتذكر عند عودتي أول يوم من المدرسة وكلي حيوية ونشاط وحماس ولون بشرتي أحمر متوهج من الجري واللعب والحركة، سألتني أمي عن الواجب فقلت لها أننا لم نأخذ واجب. لم تصدقني! لم تصدق أنني لم آخذ واجب طوال مدة دراستي بالصف الثالث والصف الرابع. سألتني عن الكتب والكراريس فقلت لها أننا لم نأخذ أيهما. لم تصدق أننا نترك كل شيء في الفصل وسوف نعود لنجده. ثم كانت المفاجأة … لا يوجد امتحانات … يوجد تقييم ومهمات ولكن لا يوجد رهبة وهيلمان ليلة الامتحان!
أسوأ ما في هذه المرحلة الجميلة من حياتي كان كتب المناهج المصرية التي أخذها والداي معنا حتى أستذكرها بجانب دراستي هناك! كان الفرق واضحا وللأسف لم ترجح كفة المدرسة المصرية بمنهجها بنظامها بمدرسيها!
لا أعرف مصيري إذا استمر إضرابي عن الكلام ولا أعرف كيف كنت سأواجه بؤس حياتي كطفلة في الصف الثالث الابتدائي في مصر!
أنظروا إلى أطفالكم وضعوا أنفسكم مكانهم وقوموا بتقييم جودة حياتهم بكل حيادية ثم قوموا بالتغيرات اللازمة … أكيد في أكتر … أكيد في أحسن … أكيد في أهم من المدرسة والواجبات والامتحانات!
شاهد جميع فيديوهات مونتيسوري مصر هنا
اقرأ جميع مقالات مونتيسوري مصر لمروة رخا هنا
اقرأ جميع مقالات التعليم المنزلي هنا
Montessori Egypt by Marwa Rakha