هل سرقت بهجة طفلك اليوم؟ من الأقوال المأثورة للرئيس الأمريكي الراحل، ثيودور روزفلت، أن المقارنة سارقة البهجة. عندما يقارن الإنسان بين حاله وحال الجار أو الصديق مثلاً، يختل سلامه الداخلي وينطفئ وهج بهجته ورضائه عن نفسه، هكذا تؤكد د. ديبرا كار في مقالها عن زيف المقارنات. أما بالنسبة للأطفال، نعرف جميعاً القاعدة التربوية التي تقول: "لا تقارن بين طفلك وطفل آخر." من الممكن أن نضيف أيضاً عبارة "حتى لو كان أخوه أو أخته" للجملة السابقة. لقد اطلعنا جميعاً على الأبحاث التي تؤكد كيف تؤثر المقارنات سلباً على ثقة الطفل بنفسه وأن لكل طفل ظروفه وقدراته. نردد هذه القواعد ونهز رؤوسنا كلما سمعنا إحداها لأن "الكلام منطقي"، ولكن الفخ أعمق من هذا! مسابقة أجمل طفلة مسابقة تتكرر كثيراً! ترسل الأم صور ابنتها، أو ابنها إذا كانت المسابقة تشمل البنين، وتطلب الأم من الأهل والأصدقاء والمقربين ضغط زر الإعجاب بصورة الطفل/ة. الصورة التي جمعت أكثر قدر من "الليكات" تفوز. تأخذ هذه المسابقة أشكالاً أخرى كثيرة؛ أفضل لاعب، أعظم رسمة، أكبر مش عارفة إيه ... إلخ. قد يكون الأطفال المشاركين ما زالوا في مرحلة الرضاعة وقد يكونوا في مرحلة الطفولة المبكرة وقد يكونوا في المرحلة الابتدائية – أطفالاً لم يبلغوا بعد! إذا كانوا مدركين للمسابقة، ماذا سيكون شعورهم؟ بدلاً من بهجة الرياضة أو الرسم أو اللعب أو الاستكشاف، ستأكل براءتهم المنافسة والمقارنة! لماذا نعرض أطفالنا إلى التوتر والضغوط النفسية التي ستصيبهم حتماً بتشكيلة فاخرة من أمراض القلوب؟ ماذا سيكون شعور الثاني؟ الثالث؟ الأخير؟ كيف سيشعر من خرج من التصنيف؟ "الفشل" هو جائرة كل من يشارك في هذه المسابقات – حتى من يفوز بالمركز الأول! مسابقات القرآن الكريم ترددت كثيراً وفي النهاية استجمعت شجاعتي وها أنا أسجل اعتراضي على مسابقات القرآن الكريم. هل كان الرسول يقيم وينظم مسابقات لحفظ القرآن بين الكبار أو الصغار؟ هل الله ينظر إلى أطفالنا ويرضى فقط عن الفائز بالمركز الأول؟ أظن أن، عند الله، الطفل الذي ينسى فيحاول ويخطئ فيكرر المحاولة أفضل ممن أتقن الحفظ والتلاوة وأخذ جائزته وخلاص. جوائز "المحاولات" و"الاجتهاد" و"المثابرة" أكبر بكثير من جائزة خط النهاية! هل فكرتم في الحواجز النفسية التي تبنيها تلك المسابقات بين الطفل والمستقبل؟ من قال أن "خائب" اليوم سيظل خائباً إلى الأبد؟ من قال أن "الأول" اليوم سيظل الأول إلى الأبد؟ لكل طفل موهبته ولكل موهبة أوان. لكل طفل مهارات ولديه العمر بأكمله ليطورها. لكل طفل مستقبل عريض أمامه ليحاول ويجرب مختلف الأشياء. لماذا إذا نسرق بهجة أطفالنا بهذه المقارنات السخيفة؟ ما المسابقة إلا مقارنة بين طفل وآخرين؟ الدرجات المدرسية من أسوأ المقارنات التي يتعرض لها الطفل، هي الدرجات المدرسية. تقارن الدرجات بين عشرين أو ثلاثين طفلاً في الفصل وتوصم البعض بالتأخر والبعض بالرسوب والبعض بالـ"حُرُكرُك". هناك من يلقب بالمتوسط ومن يلقب بفوق المتوسط ومن يتوج بتاج التفوق. كلها مقارنات تؤذي ثقة الطفل بنفسه وتكبل طاقته الكامنة. تخيلوا معي طفلاً اقتنع أنه "طالب متوسط" وأنهى مرحلة الطفولة والمراهقة وهذه هي رؤيته لنفسه وتقديره لذاته – فعل المدرسة والدرجات – كيف تتصور مستقبل هذا الشخص؟ سيختار مجال يناسب من لديه قدرات متوسطة ويقبل بوظيفة للشخص المتوسط ويعاني معاناة كل من عاش حياة لم تكن له. سيحتاج هذا الشخص معجزة لتقنعه أنه متميز في شيء ما، أو أنه موهب على مستوى ما، أو أنه ناجح! المسابقات في فلسفة ماريا مونتيسوري في كتابها، "سر الطفولة"، نهت ماريا مونتيسوري القائمين على تعليم ورعاية الطفل عن عق أي شكل من أشكال المقارنات بينه وبين طفل آخر. الأعظم من هذا أنها نهت المعلمات عن عقد أي مسابقات في الفصل بين الأطفال. لا توجد مسابقة للرسم؛ كلما رسم طفل ما لوحة، تسأله الموجهة عن مدى رضاءه عنها. إذا قال أنه راض عنها، أخذها معه المنزل. إذا قال أنه يحتاج أن يعمل على تحسينها، تركها في الفصل وعاد للعمل عليها لاحقاً. هكذا، بكل بساطة، يتنافس الطفل مع نفسه! هو يخطط حدوده بنفسه. دور المعلمة هو مساعده على تطوير نفسه وعمله وفقاً لقدراته ورغباته. المنافسة غريزة! قد يقول طفل بكل فخر: "أنا خلصت الأول" تجيبه الموجهة بكل هدوء: "مش مهم مين الأول؛ المهم الدقة – مثلاً" إذا تسابق طفل إلى الباب وقال: "أنا وصلت الأول" تقول المعلمة: "جائزة اليوم ستكون لفلانة، لأنها ساعدت زميلتها على حمل أوراقها – مثلاً" لا تكافئ المعلمة الأول ولا تشجع التنافس ولا تهتم سوى بالقيم – قيم التعاون والأمانة والدقة والصبر والمثابرة والتكرار والاتقان. هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة أهم من الأول والأفضل والأجمل والأطول والأكبر والأغنى والأقوى! هناك دائماً مجال للتحسن والتجميل والتطوير والتنمية! مقاطعة المسابقات تعتبر سلبية! لن يتوقف منظم المسابقة عن سرقة البهجة من حياة أطفالنا إلا إذا تمت مواجهته! إذا رأيتم صفحة على الفيسبوك، أو أم أو أب، يسرقون البهجة واجهوهم! امنعوهم! علموهم! اتركوا لهم التعليقات والرسائل لعلهم يراجعوا أنفسهم - ويتوقفوا عن زرع بذور الحقد والحسد والغيرة في قلوب الصغار.