سلسلة مقالات #مونتيسوري_مصر
تكتبها مروة رخا – حاصلة على شهادة المونتيسوري للأطفال حتى ثلاث سنوات وشهادة المونتيسوري للطفولة المبكرة حتى 6 سنوات وشهادة مرحلة الابتدائية من 6-9 ومن 9-12 من مركز أمريكا الشمالية للمونتيسوري (North American Montessori Center)
مروة رخا تكتب لمصر العربية: الجزء الثاني: تعديل سلوك الطفل
المقال التاسع
في هذا المقال سوف نستكمل ما بدأناه في المقال السابق عن “الطفل الطبيعي” وطبيعة الأطفال” و”انحرافات الشخصية” مثل الهروب من الواقع، حواجز التعليم، التعلق المرضي بالأشخاص، التعلق بالأشياء، الرغبة في السيطرة، الشعور بالنقص والدونية، الخوف، والكذب.
في كتابها The Secret of Childhood بسطت ماريا مونتيسوري نمو الطفل إلى نمو روحي ونمو من خلال الحركة؛ فمن خلال الأنشطة التي يستخدم الطفل فيها يديه وحواسه وقدرته على الحركة والجري والتسلق تتسق روحه مع جسده وينمو بصورة طبيعية ولكن عندما ينشأ الطفل في بيئة “محاصرة” بالأوامر والنواهي والحواجز حيث لا مجال له للاستكشاف والتعرف على العالم من خلال تجارب ثرية يهرب الطفل من واقع بيئته إلى الخيالات.
هذا هو أول انحراف للشخصية تحدثت عنه ماريا مونتيسوري: الهروب من الواقع! أعراض هذا الانحراف هو طفل متململ يمشي بلا هدف، لا يشارك في أي شئ، لا يتحمل أي مسئولية، لا ينهمك في أي نشاط ولا يكمل أي شئ قد بدأه. يبتاع الأهل ألعاب كثيرة وسرعان ما يصاب الطفل بالملل من تلك الألعاب. يستاء الأهل أو يفرحون بخيالات هذا الطفل ويعتبرونه موهوب ومبدع حين يتخيل حيوانات طائرة أو حين يشير إلى الأشياء بأسماء غير أسمائها وصفات غير صفاتها. يعيش الطفل في أوهام يشجعه عليها الأهل وفي واقع الأمر طاقته تذهب هباء!
تعالج ماريا مونتيسوري هذا الانحراف من خلال بيئة تشجع على حب المعرفة والتعليم الحقيقي عوضا عن فضول بلا هدف يحسبه الأهل ذكاء أو شغف. مثلا بدلا من كتب الأساطير والصور الخيالية يقدم نهج المونتيسوري كتب عن أشخاص حقيقيون وصور حيوانات وأشياء حقيقية ونبذات تاريخية واقعية عن حياة الأشخاص أو صفات الحيوانات. يشجع الطفل على استكشاف الطبيعة باستخدام عدسة مكبرة ونظارات معظمة ومتر حقيقي لقياس الأطوال وتدوين الملاحظات. وكما ذكرنا سابقا أن حرية الحركة من الأعمدة الأساسية في نهج المونتيسوري.
الانحراف الثاني الذي ذكرته ماريا مونتيسوري هو حاجز نفسي/عقلي بين الطفل والتعليم! أعراض هذا الانحراف هو طفل ذكي جدا ولكنه لا يستوعب أي شئ ولا يحتفظ بأي معلومة أو طفل يبدو أقل ذكاء كما لو أن عقله قد أظلم. سبب هذا الانحراف هو هروب الطفل من الواقع للخيال كما ذكرنا أو احباط وكبت مستمر أدى إلى انطواء الطفل داخل نفسه وخلق حواجز بينه وبين بيئته. بدلا من احتواء هذا الطفل “الرافض للتعليم” يتم السخرية منه وإهانته وممارسة العنف اللفظي والجسدي تجاهه! ومن هنا ينشأ حاجز نفسي ويكره الطفل مادة بعينها أو الاستذكار ككل كما ينفر من الدراسة والمدرسة والمدرسين. كلنا نعرف هذا الشخص البالغ الذي يكره الرياضيات أو اللغة العربية أو اللغة الانجليزية أو التاريخ أو غيرها من العلوم. هذا الشخص نتاج اصطدام التعليم التقليدي بعقله الشارد في الصغر.
عالجت ماريا مونتيسوري هذا الانحراف بالصبر والحب والجمال! قالت ماريا مونتيسوري أن العقل المحروم من الجمال والروح المحرومة من الحب تخلق تلك الحواجز. إذا أردت أن تعلم الطفل مبادئ الحساب يجب أن تضعه منذ نعومة أظافره في بيئة تتعامل بالأرقام؛ يرى الأرقام في نتيجة التأريخ اليومي بالمنزل، يراها في المال والمعاملات المالية اليومية، يراها في استخدام الهاتف وميزان الفاكهة ودفع الحساب والصراف والطهو والخبيز! الأرقام مكانها في لغتنا اليومية؛ نتحدث عن الكم والعدد والوزن والطول كما نتحدث عن اللون والرائحة. لكن الطفل المحاصر في سريره ذا الأعمدة أو حجرته الموصدة كيف له أن يرى ويحب ويستوعب ويشتاق إلى تعلم الأرقام وقيمتها؟
نفس الشئ ينطبق على الموسيقى واللغات والرسم وعلوم الأحياء والكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيا. منذ نعومة أظافره يجب أن يرى ويلمس الطفل كل هذه الأشياء في بيئته؛ بدلا من ملصقات شخصيات الكارتون استخدم خرائط العالم ولوحات الكواكب والمجرات وصور جسم الإنسان. استخدم ألفاظ مثل “تجربة علمية”، “كوكب الأرض”، “كوكب القمر”، “حشرات”، “زواحف”، “ثدييات”، “طيور”، “كيلو”، “ليتر”، “كوب”، “نصف”، “ربع”، وغيرها من المصطلحات العلمية الحقيقية الواقعية حتى يتولد لدى الطفل الفضول الحقيقي لتعلم تلك الأشياء المبهرة بدلا من الاصطدام بـ “طلاسم” عند بدأ الدراسة.
شجعت ماريا مونتيسوري الأهل على إزالة حواجزهم الخاصة لمعالجة حواجز الطفل؛ كم منا بينه وبين الطبيعة والشمس والنهار والحيوانات حواجز أو نفور؟ كم منا يسخر من الشعوب المختلفة بألوانها وألسنتها؟ كم منا لا يحب القراءة؟ كم منا قد أغلق روحه وقلبه وعقله أمام تعلم شئ جديد؟ كم منا خلق حواجز بينه وبين أفراد أسرته وجيرانه والعاملين على خدمته؟ وفي النهاية أكدت ماريا مونتيسوي على أهمية التكرار في نمو الطفل وقدرته على الإدراك وقالت أن تكرار زيارة نفس الأماكن يساعد الطفل على استيعاب قدر أكبر من المعلومات وأن الطبيعة أكبر معلم للطفل بشرط الاحتكاك بها والتفاعل معها لا الانفصال عنها والاختباء منها.
للمقال بقية الأسبوع القادم.
شاهد جميع فيديوهات مونتيسوري مصر هنا
اقرأ جميع مقالات مونتيسوري مصر لمروة رخا هنا
اقرأ جميع مقالات التعليم المنزلي هنا