Table of contents
بعد الاحتفال الكبير بنجاح آدم كمبرمج صغير هنا، تلقيت أسئلة طرحت على استحياء حول صعوبات التعلم وكيف تغلبنا عليها. ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال لأنه يضعني وجهاً لوجه مع إخفاقاتي كأم … مع أبشع سماتي الشخصية … مع جرائمي في حق هدية ربنا.
لقد قررت كتابة هذا المقال عن تجربتي الشخصية مع صعوبات التعلم لسببين؛ الأول هو أن أنفي عن نفسي تهمة المثالية! الثاني هو إيماني أن كلامي قد يساعد الأهل في صعود سلم الحب غير المشروط.
الخلفية لمن لا يعرف
هذه الروابط من أرشيفي القديم ومن بعض المقتطفات من كتابي “أنا وآدم والمونتيسوري” تقدم المعلومات اللازمة لمن لا يعرف خلفيتنا.
من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: هل؟
مروة رخا تكتب لمصر العربية: التلميذ الخائب – صعوبات التعلم – الديسجرافيا
مروة رخا تكتب لمصر العربية: التلميذ الخائب – صعوبات التعلم – ديسلكسيا
مروة رخا تكتب لمصر العربية: التربية: الكلام سهل والتنفيذ فخ
مروة رخا تكتب لمصر العربية: عندما يتغلغل اليأس في قلب الأم
مروة رخا تكتب لمصر العربية: تنمية مهارات الطفل بطرق غير تقليدية
مروة رخا تكتب لمصر العربية: تنمية مهارات الطفل اللغوية بطرق غير تقليدية
من كتابي أنا وآدم والمونتيسوري: أبي
مروة رخا تكتب لمصر العربية: جهاد الأمومة
جرائمي في حق هدية ربنا
عدم الإيمان
مثلي مثل الكثير من الناس ندّعي الإيمان … نردد الكلمات التي تعبر عن الإيمان … نتحدث عن الإيمان …
لكن الحقيقة هي افتقادنا للإيمان الحقيقي … الإيمان بعظمة الله وعظمة خلقه! الإيمان بأن أطفالنا حقاً هدايا إلهية! كل طفل هو صورة مصغرة للكمال الإلهي! بذرة من روح الخالق تحتاج بيئة آمنة مُحبة مؤمنة لتصير نبتة قوية مورقة مزهرة مثمرة! تلك البذور الغامضة يقدمها لنا الله بكل حب … نعمة حقيقية … لكنه لا يخبرنا عما ستنبت … لا نعرف حجم النبتة، شكل الأوراق وكثافتها، لون الزهور ورحيقها، أو طعم الثمار وفوائدها.
عندما تتأخر البذرة في الإنبات أو النمو … التزهير أو طرح الثمار … نفقد الصبر!
عدم الصبر
الصبر الذي تعلمته في حياتي السابقة قبل آدم هو الصبر على البلاء … الضيق … الفقر … الاحتياج …
لكني لم أتعلم صبر الفلاح … لم أتعلم صبر المؤمن الحقيقي!
بسبب المونتيسوري وقعت في غرام الزراعة والطبيعة … علمني الزرع ورعايته الصبر الحقيقي!
يعرف الفلاح أو من يحب الزراعة أو من يربي الحيوانات حكمة المواسم! هناك موسم لتجهيز التربة … آخر لزراعة البذور … غيره للإنبات … موسم لكن شيء. لن تنبت البذرة في درجة حرارة أو تربة أو إضاءة غير مناسبة … تماماً مثل أولادنا! البيئة أهم شيء!
حتى في توافر البيئة السليمة للإنبات، يعرف الفلاح أن كل بذرة تنبت بأوانها … تنمو بجدول زمني خاص بها … تسقط أوراقها في موسم ما … تزهر في موسم آخر … تطرح في موسم آخر … لكل نبتة تفردها!
رغم تمردي على المجتمع اللعين وتوقعاته، رضخت للضغوط … جدول زمني مسموم وضع للأطفال ليحدد من الطبيعي ومن ليس طبيعي وكأن هناك شيطان يقول للأهل أن هدية ربنا وحشة ومعيوبة!
بسبب الإيمان الصوري وعدم الصبر سقطت في بئر اليأس!
اليأس
جريمة أخرى تضاف لجرائمي في حق طفلي الجميل … زينة حياتي … فلة قلبي!
للأسف لا يأتي اليأس صامتاً! يأسي جاء غاضباً عاصفاً ناقماً متقلباً! الغضب أعمى القلب! العواصف هزت استقرار الأمومة! النقم صار سهاماً موجهة من عيني إلى عيون البراءة! التقلب أرهقني وامتص طاقتي!
في هذه المرحلة قاتمة السواد رأيت طفلي ينطفئ! رأيته يخافاني! يراقبني في صمت مؤلم!
أكثر ما آلمني في هذه الفترة هو الحب … كان يغرقني حباً غير مشروطاً … يحبني لأنه فتح عينيه في حضني … التصق بصدري سنوات وسنوات … اطمئن في حضني … هكذا خلق الله الأطفال … يقدمون لنا الحب الصافي الخالص بلا شرط … قدرتهم الرهيبة على التسامح والغفران ما هي إلا ذرة في رحمة ربنا!
استمرت هذه الكبوة لمدة ثلاث سنوات …
ثم جاء الهروب الكبير!
الهروب من الواقع
اقترب آدم من عامه السابع وبدأت معه مشروع التعرف على مصر ومحافظاتها بالسيارة … كانت نيتي هي الهروب من مواجهة صعوبات التعلم … أراد الله لي أن أهرب إلى رحمته وأمانه!
لقد تحدثت عن رحلاتنا في بدايتها وكيف أنني بدأت أتعرف على آدم من جديد … بدأت أتخلى عن الصورة التي رسمها المجتمع وخيالي وأنانيتي لما يجب أن يكون عليه طفلي!
آدم مش مروة رخا!
الحمد لله إن آدم مش مروة رخا!
في رحلاتنا بدأت أقارن في صمت بين آدم وبيني عندما كنت في سنه … وفقاً للمجتمع والتقييمات والجداول الزمنية مروة رخا الطفلة كانت تكتب وتقرأ وتتحدث العربية والإنجليزية بطلاقة … كفتها ترجح! أما آدم فهو لدية سلسلة من الصعوبات في الكلام والانتباه والكتابة والقراءة … كفته تطب!
أما الحقيقة كانت العكس تماماً …
بدأ الله يظهر لي جمال هديته لي بالتدريج حتى لا أصاب بلوثة!
تحمل المسؤولية … المشاركة … العطف على الصغار والكبار … الذكاء … عبقرية تذكر الأماكن والاتجاهات … الحنان … الرضا بكل شيء … الاستمتاع الحقيقي بكل ما هو متاح … الكرم … حلاوة اللسان … الشكر والحمد … الأدب الجم … الاستقلال …
ثم جاءت الجائحة!
نعمة الكورونا
أغلقنا الباب! توقفنا عن السفر! لا خروج ولا دخول! توقفت كل الأنشطة إلا كل ما يمكن أن يتحول أونلاين. في هذا الوقت أصبح آدم في الثامنة من عمره واستمر الله في بث نوره وحكمته في قلبي!
آدم سعيد … لا تزمر … مرونة رهيبة في التعامل مع الخوف والقلق والضغوط!
تأقلم تماماً مع دروسه الأونلاين … واستقل عني! بالتدريج بدأت أتوقف عن الحضور معه كل درس … بدأت أتوقف عن مراجعة واجباته … منه للمعلمات والمعلمين … يعرف المطلوب منه … ينجزه … يتلقى التوجيه والدعم من المعلمين … آدم شايل نفسه!
في هذا الوقت أدركت أن صعوبات التعلم لن تتغير … مثلها مثل لون عينيه الأزرق البديع! لكن تعاملي معها على أنها حكم إعدام على مستقبله كان نتيجة البرمجة المجتمعية اللعينة!
الاختلاف طبيعي ومقبول والتنوع هو سنة الحياة! لقد هربت به من تنميط النظام التعليمي التقليدي ليسقط في تنميط آخر من صنعي!
أخدت خطوة للوراء وبدأت أراقب في إعجاب وانبهار جمال هدية ربنا لي!
أقول لأولادي في سلسلة أدوات تمكين اليافعين أنني أرى فيهم عظمة الله … كأنني أعتذر للأطفال جميعاً عن حماقات المجتمع وكفره!
أقول لهم أنهم بداخلهم صندوق مغلق … هدية من ربنا … يجب أن يفتحوه ويستكشفوه رويداً رويداً ليتعرفوا على عظمة الله حقاً … التعرف على نقاط قوتهم واستغلالها للنجاة من كفر المجتمع بالتفرد!
الإيمان
اليوم صار آدم عمره 13 سنة! خلال الخمس سنوات الماضية رأيته يتعلم ذاتياً ويطور نفسه … يستكشف مهاراته ويستمتع بنقاط قوته … يبني علاقات قوية وحقيقية مع كل من يتعامل معهم من كل الأعمار وكل الجنسيات وكل الفئات!
لقد وفقنا الله كثيراً في اختيار المعلمات والمعلمين … كذلك في اختيار مدرسة آدم الأونلاين … كله ماشي تمام!
شعرت بحبه لي ودعمه …
اعتذرت!
بكيت أمامه!
مازلت اعتذر وأبكي وأطلب منه السماح على حماقاتي …
يقول إنه لا يتذكر سوى ذكرياتنا الحلوة … إنه يشعر بالحب والأمان والحنان … أحضنه … أدعوا له …
قد يكون حقاً قد نسي … لكن أغلب الظن أنه لا يريد أن يثقلني بهم الندم …
ماذا حدث لصعوبات التعلم؟
قد تتساءلون عن مصير صعوبات التعلم … هل اختفت؟ عالجناها؟
الإجابة لا!
صعوبات التعلم موجودة لكننا اخترنا عدم التركيز عليها! لا ننظر لها! لا نفكر فيها! كلما أمكن نجد “لفة” حولها أو طريق مختصر أو أداة تكنولوجية لتخفيف أثرها.
تركناها خلفنا ومضينا!
تضاءلت في بهاء الشجرة الرائعة التي نبتت من البذرة التي أهداني إياها الله.
أدعوا لنفسي وأدعوا لكل من يقرأ هذا المقال بالحب والإيمان والحمد والشكر الحقيقي … النابع من النور … البعيد كل البعد عن المجتمع وتوقعاته!